- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
![]() |
يا له من نهار تدوينات الكاتبة رزان محمود |
يا له من نهار! ويا لها من كتابة! تلك هي
الكتابة التي أحب، لم أعرف يوماً الكاتبة رزان محمود، ولكنها تلك الأقدار التي تسوق
إلينا هدايا مخبأة لا نتوقعها، منذ عرفت الكتابة وأنا بعد طفلة أتعلم كيف أمسك
بالقلم كنت أخط يومياتي ولحظات حياتي المختلفة، لم أكن أعرف شيئاً بعد عن الأدب
وكتابة القصة، وعندما تعلمت الأمر كان يُعهد إلينا أن القصة تستاق من الواقع،
ولكنها تختلف عنه، وربما أجدت الأمر، ولكن بقي شيء في داخلي يريد أن يكتبني لا أن
يكتب فقط قصص بعيدة عني لأثبت بها أني قاصة جيدة.
يا له من نهار أشرق على الكتابة الذاتية:
استمر الحال معي على ما هو عليه، أكتب مذكراتي
ويومياتي سراً، وأحاول استخلاص قصص مختلفة من الواقع أُسبغ عليها لباس آخر ليرضى
حراس الأدب عن توصيفها قصة، حتى هز أركان عرش السرد -في نظري- حصول الكاتبة
الفرنسية آني إرنو على جائزة نوبل، وكان من حيثيات حصولها على الجائزة كونها تنقل
الواقع كما هو، والعجيب أنني عندما قرأت ما كتبته وجدته جافاً جداً؛ ففي رأيي
يمكننا نقل الواقع المعاش حقيقة كما هو، ولكن باستخدام لغة فنية.
فحتى
المقال الذي يصف الواقع فعلاً ويناقشه لا مانع من أن تكون لغته فنية بها من
التشبيه والاستعارة والمجاز ما بها، فما بالك بنص قصصي أو روائي، ولكن حصولها على
جائزة نوبل فتح لي آفاق الكتابة الذاتية، والتي لم أكن أعرف عنها شيئاً اللهم إلا
كتابة السيرة الذاتية لبعض الأشخاص ذوي الشأن سواء كانوا أدباء أو علماء أو مفكرين
أو ساسة وفنانين، وكان هذا ما أضمره لنفسي عندما كنت أكتب مذكراتي منذ نعومة
أظافري، أنني يوماً ما سأكون شخصاً ذا شان وبال يتهافت الجميع على قراءة مذكراتها
ومعرفة أسرار وخبايا حياتها.
ولكن ما اكتشفته فيما بعد عن الكتابة الذاتية
أنها تشمل عالماً أوسع بكثير من مجرد تدوين مذكرات يومية، وأن لدينا كتابات عربية
رائعة في هذا المجال ربما كانت تستحق نوبل أكثر بكثير من كتابات آني إرنو، وأول من
اكتشفته في هذا المضمار كان جمال الغيطاني في تجلياته، تلك التجليات التي نُشرت
لأول مرة في ثمانينيات القرن المنصرم، وكان كاتبها قد انتهى من كتابتها وهو لا
يزال بعد شاباً في مقتبل الثلاثينيات من عمره، ومنجز الكاتبة رزان محمود الذي بين
يديّ الآن "يا له من نهار" هو أيضاً نموذج لهذا النوع من الكتابة
الذاتية.
الكتابة الذاتية عند الكاتبة رزان محمود:
القارئ لكتاب يا له من نهار يجد نفسه أمام نصوص
مفعمة بالحياة لفترة من أهم فترات جيلنا الحالي التي تعد الكاتبة رزان محمود أحد
أبناءه، ألا وهي فترة ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام 2011، وما تلاها من
أحداث ومستجدات، من لم يحالفهم الحظ من أبناء الأقاليم أمثالي الذين كانوا بعيدين
عن الميدان، وكانت تقتصر مشاركتهم في الثورة على تظاهرات بسيطة في محافظاتهم لم
يعرفوا شيئاً مما دار في الميدان إلا من خلال شاشات التلفزيون.
وهذه
الشاشات لم تريهم شيئاً مما دار في نفسيات المتظاهرين وحملوه في داخلهم لسنوات
ألجأهم للخضوع للعلاج النفسي والإصابة بالرهاب من المشي في طرقات شوارع الميدان،
الكاتبة رزان محمود كانت ممن شاركوا في الثورة الحية في الميدان، وتعرضت مع رفاقها
للرصاص الحي والخرطوش، وهناك ممن تعرفهم من قتل وسحل واعتقل أمام عينيها لسنوات،
تعرضت للغاز المسيل للدموع، وهربت من الشرطة العسكرية، وقد ترك كل هذا أثره في
نفسها مما جعلها تشعر بأنها غير قادرة على الاستمرار؛ فلجأت للعلاج النفسي.
![]() |
الكاتبة رزان محمود |
وفي
رحلتها تلك في كتابها يا له من نهار نتعرف على حياة الثوار الذين كانوا في
الميدان، وكيف كانت لهم حياة وآمال وتصورات أصابتهم الخيبة والصدمة عندما لم
يتمكنوا من تحقيقها، ليس ذلك فقط وإنما أيضاً نقترب من حياتها الطبيعية التي
تتداخل مع حياة أي أحد منا، كيف كأنثى تحب وتعجب وتخشى لحظة الاعتراف، وتحلم
بحبيبها، وليست مشاعر الحب العاطفي فقط هي التي تزورها، وإنما كذلك حب الأخوة
والعائلة والأصدقاء، وحتى الغرباء الذين قد تلتقيهم مصادفة أو لا تلتقيهم أبداً
وتسمع عنهم في الأخبار.
أزمة التصنيف:
نصوص الكاتبة رزان محمود في كتابها يا له من
نهار مترابطة تشكل معاً عالماً كاملاً متكاملاً، ومع ذلك فإن كل نص فيها له أيضاً
عالمه الخاص الذي يجعل منه قصة مترابطة منفصلة كلياً عن العالم من حولها، ما
ضايقني في الأمر هو وصف الكتاب بكونه تدوين لا مجموعة قصصية، وهذا ربما عائد
لمشكلة التصنيف عند حراس الأدب الذين يجدون أن هذا النوع من الكتابة الذاتية لا
يسمو لأن يكون فناً قصصياً، وأن القصة عليها أن تكون مغايرة للواقع ومنفصلة عنه وعن
كاتبها حتى لو جسدته حتى تحظى بشرف أن تكون قصة.
وهذه
مشكلة تصنيفية كبرى تجاوزها الغرب منذ زمن، ولكننا نظل ندور في حلقات مفرغة حتى
يدهسنا العالم، ونحن لا نزال نناقش قضايا أكل عليها الدهر وشرب، حتى فكرة الكتابة
باللهجة العامية للنص من أوله لآخره، استفزتني في البداية لاعتيادي أن يكون الأدب
بالفصحى لا العامية، ولكن تدريجياً أدركت أنني أقع في نفس فخ التصنيفات، وأن طبيعة
النص هي التي تفرض عليه لغته، ولكن ربما كان من الأفضل لو تم جمع نصوص العامية
وحدها في كتاب آخر.
وفي النهاية يعود الأمر للكاتبة وتفضيلاتها واختيارها لصورة منتجها ومشروعها الكتابي الخاص، في الختام كانت رحلتي مع الكاتبة رزان محمود في كتابها يا له من نهار رحلة ممتعة تمنيت ألا تنتهي، وتمنيت لو حالفني الحظ يوماً بمعرفتها شخصياً.
آني إرنو
الكتابة الذاتية
جمال الغيطاني
جولة في الكتب
رزان محمود
مجموعات قصصية
مجموعة قصصية
يا له من نهار
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟