قراءة في رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ

قراءة في رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ
قراءة في رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ







     لي مع رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ حكاية، في صغري رأيت فيلم القاهرة 30 للمخرج صلاح أبو سيف المأخوذ عن رواية القاهرة الجديدة مرات عديدة ولكنني لم أكن قد قرأت الرواية بعد، منذ عدة أشهر اشترت ابنة خالتي الصغيرة رواية القاهرة الجديدة في طبعتها السادسة من معرض للكتب القديمة المستعملة؛ فاستعرتها منها للقراءة، وتشاء الأقدار أن أذهب بها لزيارة أخي في السجن، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي اصطحب فيها كتباً معي لأقرأها أثناء فترات الإنتظار.
    فوجئت بمصادرة الكتاب مني ومنعي من الزيارة لثلاث مرات متتالية، أكاد أجزم أن من صادروا الكتاب مني لم يقرأوه ولم يعرفوه محتواه حتى بدليل أنهم أعادوا الكتاب لي مرة ثانية ولكن ربما كانت مجرد حجة للتسلط وزيادة القهر بمنع الزيارة!

عن رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ:

    تشير العديد من المراجع الأدبية إلى أن رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ هي أولى روايات نجيب محفوظ الواقعية التي توسطت روايات نجيب محفوظ التاريخية السابقة لها والتي تمثلت بالثلاثية التاريخية التي دارت في عصور مصر القديمة (عبث الأقدار- رادوبيس- كفاح طيبة)، وروايات نجيب محفوظ الرمزية اللاحقة لها والتي كان أبرز ما قدمه من خلالها رواية أولاد حارتنا التي أثارت جدلاً واسعاً لدرجة أن تم منع نشرها في مصر لسنوات طويلة وأدت إلى تكفيره من قبل الجماعات المتطرفة ومحاولة اغتياله.
   ولكن في مقال نقدي للشهير سيد قطب والذي بدأ حياته شاعراً وناقداً أدبياً ثم انضم لجماعة الإخوان المسلمين ليصبح أهم منظريها وعلى قائمة مؤسسيها الأوائل، أقول في مقال نقدي له نشر في مجلة الرسالة الأدبية كتب فيه عن رواية القاهرة الجديدة للأستاذ نجيب محفوظ كما سماه وقارنها بسابقتها رواية خان الخليلي وهذا يعني أن رواية خان الخليلي سابقة لرواية القاهرة الجديدة ومن ثم تكون هي أولى تجاربه الروائية في روايات نجيب محفوظ الواقعية، ولا أعلم حقيقة مصدر المعلومة الشائعة من أن رواية القاهرة الجديدة هي أول رواية واقعية لأديب نوبل نجيب محفوظ ولكنني أظن أن سيد قطب بكونه معاصراً للأحداث وقتها لا بد وأنه مرجعاً مؤكداً عن التكهنات الشائعة.

ملخص رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ:

    تدور رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ في أربعينيات القرن الماضي خلال حكم الملكية والاحتلال الإنجليزي من خلال تسليط الضوء على أربعة طلاب جامعيين على وشك التخرج تجمعهم علاقة صداقة على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية، فهناك مأمون رضوان الذي يمثل التوجه الإسلامي وعلي طه ممثلاً عن الإيمان بالاشتراكية والمجتمع بديلاً عن الأديان ومحجوب عبد الدائم الشاب المستهتر الكافر بكل القيم والمبادئ في سبيل مصلحته الشخصية ومنفعته الذاتية وأحمد بدير ذو التوجه الإعلامي والحس الصحفي الذي يجعله على الحياد لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وإنما يقتصر دوره على مراقبة الأحداث وتسجيل الآراء.
    تبدأ رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ بتسجيل حياة هؤلاء الطلاب الأصدقاء الأربعة وتداخل حياتهم حتى تخرجهم من الجامعة، ومن ثم تبدأ بالتركيز على البطل الأساسي للرواية وهو محجوب عبد الدائم في رحلة صعوده للهاوية على حساب كل المبادئ والقيم للمجتمع ضارباً بها عرض الحائط ليدوس بقدميه على شرفه وكرامته وحتى أبويه وحاجتهما إليه في شدتهما وعجزهما في سبيل الوظيفة ذات المركز العالي وكماليات الرفاهية التي تدخله المجتمع المخملي للقاهرة الجديدة ليحضر حفلات وتجمعات البهوات والبشوات.
    يرضى محجوب عبد الدائم بوضع قرنين ذهبيين كما سماهما على رأسه ليكونا حلية نفيسة ترفعه لأعلى المراتب ظناً منه أن الغبي فقط هو من يرضى بالجوع والفقر لأجل الحفاظ على ما يدعى كرامة وشرف، وكما كان صعوده سريعاً خلال أحداث رواية القاهرة الجديدة التي لم تستغرق أكثر من عام تقريباً، كان أيضاً سقوطه مدوياً بنفس السرعة، وعلى الرغم من أن أديب نوبل نجيب محفوظ وضع تلك النهاية التقليدية التي تسقط دائماً بالأشرار إلى أسفل السافلين في النهاية لينتصر الحق والخير على الشر، لكنه لم يشأ أن يظن القارئ أن تلك هي النهاية.
     ألمح أديب نوبل نجيب محفوظ في ختام رواية القاهرة الجديدة على لسان الأصدقاء الثلاثة وهم يسترجعون تلك الحوادث بأسف أننا شعب سريع النسيان ولا نلبث أن ننسى الجرائم التي اقترفها رجال الدولة السابقين لنعيدهم محمولين على الأكتاف في مظاهراتنا إلى مناصبهم مرة أخرى، أليس ذاك ما يحدث بالفعل؟! إننا شعب سريع النسيان حقاً!

فيلم القاهرة 30
فيلم القاهرة 30

مقارنة بين رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ وفيلم القاهرة 30 للمخرج صلاح أبو سيف:

    أقدم المخرج الكبير صلاح أبو سيف في ستينيات القرن الماضي على تقديم رواية القاهرة الجديدة لأديب نوبل نجيب محفوظ كفيلم سينمائي قام ببطولته أحمد حمدي وسعاد حسني وأحمد مظهر، وغير المخرج صلاح أبو سيف اسم العمل من القاهرة الجديدة إلى القاهرة 30 لينفي وصمة العار التي اعتلت الرواية عن القاهرة الحالية وينسبها لفترة زمنية بعينها، ولا ينكر أحد قيمة العمل السينمائي الذي قدمه المخرج صلاح أبو سيف ولكنه أتى مختلفاً في كثير من النواحي عن العمل الأدبي لأديب نوبل نجيب محفوظ.
     هناك العديد من الاختلافات الصغيرة التي يمكن أن تنشاً بطبيعة الحال من اختلاف الوسيلة التي تعرض العمل الفني، ولكن الاختلاف الكبير الذي أراه مخلاً بمضمون العمل الأصلي لأديب نوبل نجيب محفوظ هو حذف شخصية مأمون رضوان تماماً من الفيلم وإفقاد العمل تيمة رئيسية حرص عليها نجيب محفوظ في عمله ألا وهي إبراز التوجهات الفكرية كافة التي ضمها المجتمع المصري وقتها خاصة بين الشباب المثقف، ولا أجد لذلك مبرراً فنياً اللهم إلا مغازلة النظام العسكري الذي كان يعادي الجماعات الإسلامية وقتها وينكل بأعضائها!

تعليقات