![]() |
لوكاندة بير الوطاويط للكاتب أحمد مراد |
لوكاندة بير الوطاويط هي قراءتي الثانية لعمل
من كتابات أحمد مراد، عادة لا أقرأ لأحمد مراد، ولولا أن أخي طلب قراءة هذه
الرواية بالاسم في محبسه؛ لما مرت عليّ أبداً، ولم أكن لأدفع فيها نقوداً على أية
حال؛ فتذكرت أن صديقتي وئام تتابع رحلة أحمد مراد بدعوى التعرف على مشروعه وتتبع
تطوره نظراً لكونها قرأت له منذ البداية؛ لذا تقتني كل رواياته (فلوسها كتير ملناش
دعوة)، وبناء عليه طلبت منها أن تعيرني إياها، ونظراً لأنني -وفقاً لما يقوله أبي
عني- لا يمكن أن تمر ورقة عليّ دون أن أقرأها؛ فكان لزاماً عليّ بطبيعة الحال أن
أقرأ ما مر بين يديّ.
علاقتي
بأحمد مراد بدأت بإعجابي بمسلسل فرتيجو الذي أُذيع في رمضان 2012، لم أكن أعرف من
كاتبه بالأساس، ولكن حين عرفت أنه مأخوذ عن رواية اشتريتها في معرض الكتاب 2015، وصادف
يومها أن كان هناك حفل توقيع في جناح الشروق لأحمد مراد؛ فأخذت توقيعه عليها، وكنت
الوحيدة في هذا الطابور الطويل التي توقع فرتيجو في حين كان الجميع يوقعون الرواية
الجديدة وقتها والتي لم أكن أعلم ما هي ولم أكن مهتمة الحقيقة بمعرفة ذلك، وفي هذا
التوقيت كنت قد بدأت لتوي أن أخطو أولى خطواتي الجدية في الكتابة.
لم أشأ أن تكون قلة خبرتي أو أراء الكتاب
المحيطين بي وقتها في كتابات أحمد مراد، والتي كانت جلها آراء سلبية، سبباً في
تخبط تقيمي لما أقرأ؛ فأرجأت القراءة كثيراً، ولم أقرأ رواية فرتيجو فعلاً إلا بعد
2020، وصدمت فعلاً فيها حيث كان في رأيي أن المسلسل كان أكثر جودة من الرواية
بمراحل، وقد كتبت مراجعة عنها بعد قراءتها، وربما تكن تلك المرة الأولى في حياتي
التي أرى عملاً درامياً أفضل من العمل الأصلي المكتوب.
فدوماً ما تكون المشكلة الأزلية في تحويل
الأعمال الأدبية إلى درامية أن السينما والتلفزيون يظلمون العمل الأصلي ولا
يستطيعون تصويره وتجسيده بطريقة صحيحة تعبر عن روح العمل وأفكاره، لكن في هذه
الحالة كان العمل التلفزيوني أكثر جودة، لم أقرأ عملاً أدبياً آخر لأحمد مراد،
ولكنني شاهدت فيلمي الفيل الأزرق وكيرة والجن، وفي مرحلة سابقة شاهدت مسرحية لفرقة
شبابية عن رواية تراب الماس على مسرح ساقية الصاوي -في أول مرة أطئها-، وخلال هذا
كله تكونت لدي قناعة أن أحمد مراد لديه خيال خصب وأفكار جيدة صالحة لأن تتحول إلى
أفلام ممتعة ولكنه ليس لديه الأسلوب الأدبي الذي يخوله كتابة عمل روائي جيد.
وهذا ما أكدته لي هذه القراءة أيضاً لروايته
لوكاندة بير الوطاويط، أحمد مراد يكتب وعينه على السينما، يكتب وفي وعيه إمكانية
تحويل العمل لفيلم سينمائي ناجح في شباك التذاكر؛ فليته حتى يكتب وعينه على أفلام السينما
التي تُخلد، لا هو يهدف فقط للخلطة الناجحة التي تأتي بأعلى الإيرادات، وتجذب
المشاهدين إلى قاعة العرض، وأيضاً تجذب القراء الهادفين للتسلية؛ ليشتروا روايات يقرؤونها
وهم يقزقزون اللب محاكاة لمن يأكلون الفشار في قاعات العرض، وقد يعد الكثيرون في
هذا الأمر نجاحاً.
وهو
حتماً نجاح بشكل أو بآخر، ولكنه نجاح لا يدوم، لا أعتقد أن شخصاً ما بعد قراءة هذه
الرواية على سبيل المثال لوكاندة بير الوطاويط سيشعر بالرغبة في معاودة قراءتها
مرة أخرى، أو سيخرج منها بشعور أو معرفة أو إحساس جديد في كل قراءة، هي رواية
للقراءة مرة واحدة فقط لا غير، حتى لو اعتبرنا أن البلوت تويست الذي يقدمه الكاتب
في النهاية قد يجعل الأمر مربكاً، ويثير فضول القارئ، إلا إنه في نفس الوقت يشعره
أن الكاتب يستخف به.
إذ أنه يتضمن تلميحاً أيضاً بأنني قد أضعت
وقتك الثمين في هراء لم يحدث منه شيء، وما هو إلا خيالات مريض بجنون العظمة وهوس
الارتياب، وكان لديه متسع من الوقت ليصب خيالاته تلك في أوراق يوهمك أن أحداثها قد
جرت بينما لم يجري منها حدث واحد، وربما قد كتبها وهو نزيل البيمارستان، أو بينما
لم يغادر غرفته في اللوكاندة، أدرك أن هناك من قد يهللون للأمر بكونه استخدام
لتكنيك "الراوي غير الموثوق فيه"، وهو غير مطروق كثيراً في الأدب العربي
الرسمي.
وذلك على الرغم من وجوده منذ حكايات ألف ليلة
وليلة والحكاوي الشعبية على الربابة، إلا إن اعتماد سليمان السويفي راوياً أوحداً
على مدار الأحداث، وعدم وجود أي صوت لراو آخر، ولا حتى راو عليم، يجعل هناك فاصلاً
بين الواقع والخيال (في العالم المتخيل داخل الرواية)، يجعلنا في النهاية ننسف
الرواية ككل؛ فربما تكن الحقيقة الوحيدة هي أننا أضعنا وقتنا في رحلة خزعبلية داخل
عقل مخبول، وقد تكون تلك رحلة ممتعة للبعض إلا أنها لم تمتعني في شيء حتى إن إنهائها
كان عملاً ثقيلاً على قلبي.
ولكن لأنني من أنصار المبدأ القائل بأن الوظيفة الأولى للأدب أو الفن بشكل عام هي تحقيق المتعة، ولأن هناك من أمتعهم العمل؛ فلا يمكننا أن ننفي عنه صفته الفنية، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع؛ فهنيئاً لمن أمتعهم وهنيئاً لكاتبه بهم، وهنيئاً لي تأكدي من سلامة رأيي الشخصي.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟