الإعداد والانتحال في الأدب بين الأصل والترجمة

 

الإعداد والانتحال في الأدب بين الأصل والترجمة
الإعداد والانتحال في الأدب بين الأصل والترجمة

 

    الإعداد والانتحال في الأدب هي قضية تدور حولها العديد من الآراء والنقاشات، ولكن قبل التطرق لقضية الكتاب ذاته لا بد أن أتطرق لأسلوب الترجمة، منذ عدة أيام طرحت تساؤل عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول الترجمة الرديئة التي تفقد الأعمال المترجمة إمكانية فهمها، وخاصة الأعمال الأكاديمية، واتضح أن لم تكن المشكلة أبداً في الكتب المترجمة بشكل عام ولا المترجمين في المطلق، وإنما ربما في بعض المترجمين، فها هو كتاب مترجم متخصص أكاديمي ومترجمه قادر على صياغته بلغة سلسة ممتعة سهلة الفهم.

    أو ربما هي ميزة خاصة للمترجمين المصريين، فكما أن اللهجة المصرية مفهومة لكل من ينطق العربية فإن كل ما يخطه المصريون مفهوم 😉.

تجربتي مع الكتاب ومضمونه:

    كان الكتاب من ضمن الكتب التي وزعت على الحاضرين في مؤتمر أدباء مصر العام الماضي، والذي أقيم في محافظة المنيا ضمن مجموعة كتب أخرى، كنت أخشى العنوان وأشعر أنه قد يكون كتاباً موغلاً في التخصص ولن يمكنني فهم شيء منه؛ فحاولت الهروب من قراءته، ولكن لكل كتاب يوم، وقد أتى يومه، وقد كان انطباعي ذاك خاطئاً؛ فالكتاب يدور حول فكرة إعداد وانتحال نصوص من نصوص سابقة سواء كانت أسطورية وتراثية أو نصوص لكتاب كبار سابقين وأضحت أعمالهم جزءاً من التراث البشري.

   وتطرح الكاتبة أمثلة على فكرة الإعداد والانتحال في الأدب على مر تاريخه يكاد يكون أكثرها شيوعاً هو انتحال أعمال شكسبير مراراً وتكراراً، ودمجها في ثقافات وبيئات وعصور زمنية مختلفة، وإعدادها درامياً ومسرحياً بمئات الأشكال المختلفة، وتطرح فكرة أن شكسبير نفسه لم تكن أعماله إبداعاً خالصاً من قريحة ذهنه؛ فتعطي أمثلة لبعض أعماله انتحلها هو أيضاً من أساطير سابقة أو أعمال لكتاب سبقوه، ولكنهم لم يحظون بنفس شهرته، وكذلك من وقائع حياتية تاريخية تم الكشف عنها لبعض الأشخاص واطلع عليها في مصادر تاريخية سابقة.

أمثلة جولي ساندرز على الإعداد والانتحال في الأدب:

    لم يكن شكسبير هو المثال الوحيد ولكنه أشهرهم، طرحت الكاتبة أمثلة عديدة لأعمال أدبية وفنية على مر العصور تم انتحالها وإعدادها من أعمال سابقة في إطار بيئات مختلفة، كأن يتأثر الكاتب بشخصية معينة من عمل ما ويبدأ في طرح الأسئلة لو أنها تعيش في بيئة مختلفة أو عصر مختلف كيف يمكن لحياتها وردود أفعالها ونهاية القصة أن تكون؟ وليس فقط ينحصر الأمر في الأعمال الأدبية السابقة، ولكنه يتطرق أيضاً للأعمال الموسيقية والفنية من لوحات وتماثيل.

    فيعطي الكاتب الحياة لشخصيات اللوحة الفنية أو منحوتاتها؛ ليكون لها حياة كاملة على الورق تنبثق من لحظة اللوحة أو التمثال الجامدة، ما يعيب الأمر فقط بالنسبة لي أنني لم أكن أعرف الكثير عن هذه الأعمال؛ فلم أكن قادرة على مجاراة ما أقرأه، ولكنني تمكنت على أية حال من بناء الصورة في ذهني وفهم الأمر والاستمتاع به، حيث تناقش الكاتبة أيضاً فكرة أهمية الإعداد والانتحال في الأدب والفن، وأن المجادلة بكونه سرقة أدبية أو أن الأعمال التي تقوم على هذا الأسلوب هي أعمال غير أصلية لا تستحق الالتفات إليها هو أمر يجانب الصواب.

   فكل الأعمال تتأثر بصورة أو بأخرى بأعمال سابقة لها، ولا يوجد نص أول أوحد، ودائماً هناك ما بعد! فأما بعد فقد استمتعت جداً بقراءة الكتاب، وانصح به لكل مهتم بالكتابة؛ فقد أحيا داخلي فكرة قديمة لطالما راودتني في إعادة صياغة حكايات ألف ليلة وليلة في عوالم مغايرة وأزمنة حالية، ومن رؤية مختلفة وزاوية مغايرة، ولكنها ككل الخطط المؤجلة لم تدخل حيز التنفيذ أبداً، ربما يكون الكتاب حافز أمل يشجعني على البدء دون الخوف من توجيه الاتهام لي بأن ما أفعله قد يكون مجرد تكرار الإعداد والانتحال في الأدب دون الإتيان بجديد.

تعليقات