ألف ليلة وليلة : حكايات شهرزاد لشهريار في نسخ مهذبة!

 

قراءة في ألف ليلة وليلة
قراءة في ألف ليلة وليلة

 

   ألف ليلة وليلة حكايات ساحرة تطوف بنا في أزمان وأماكن لم ترها عين من قبل، تلهب الخيال وتسافر بنا عبر السحر والجمال، من منا لم ينشأ في طفولته على حكايات شهرزاد لشهريار ؟! فمن لم يقرأها بين دفتي كتاب ألف ليلة وليلة أمضى لياليه في الاستماع إليها عبر أثير الإذاعة، أو مشاهدة مسلسلاتها في ليالي رمضان الأثيرة، اللهم إلا أطفال الجيل الحالي الذين ربما لم يعرفوا شكل المذياع من قبل، ومنذ تفتحت أعينهم على الحياة لم يعد التلفزيون المصري وما يعرضه على خارطة المشاهدة في أي بيت؛ فلهم الله!

ذكرياتي مع كتاب ألف ليلة وليلة :

   أما عن قراءة حكايات شهرزاد لشهريار في نسخة مطبوعة فقد ظل حلماً يراودني لسنوات، والنسخة التي بين يدي اشتريتها منذ سنوات عديدة من أحد بائعي الكتب على الأرصفة في شارع جامعة الدول العربية، وهي طبعة أولى لعام 2003 من إعداد كاتب يدعى طه عبد الرؤوف سعد، قرأتها لأول مرة بعد تخرجي من الجامعة، في فترة لم أكن أجد شيئاً أفعله في حياتي الجديدة بدون دراسة ولا عمل سوى القراءة، وهذه هي قراءتي الثانية لها بعد أن نضجت قليلاً إلى حد ما -كما أظن وربما بعض الظن إثم- عن هذه الفترة.

   وفي البداية لا بد أن أسجل أن الجملة المذكورة في المقدمة كفيلة أن تجعلني أنفر تماماً من هذه النسخة عن حكايات شهرزاد لشهريار وهي: "طبعة مهذبة يسمح كل بيت أن تكون ضيفاً غير ثقيل عليه يقرأها الأب لأفراد أسرته دون حرج" من قال أني أريد طبعة مهذبة؟! أنا أريد أن أقرأ نسخة أصلية! ومن سمح لأحد أن يحدد لي ما هو المهذب وما دونه وما المسموح لي بقراءته أو لا؟! أذكر في سنوات طفولتي وجدت نسخة من كتاب ألف ليلة وليلة في مكتبة خالي، ولمحت بها رسومات عارية، كنت أود قراءتها، ولكنه أخذها من يدي مدعياً أنه يرغب في الحفاظ عليها، ولا يأتمن أنها قد تتمزق في يدي.

    وذلك على الرغم من شهرتي بين العائلة بشدة اهتمامي ومحافظتي على كل ورقة أقرأها، يبدو أن الكاتب الفاضل يعتقد أن القراء أطفالاً يحتاجون إلى أوصياء يملون عليهم المسموح بقراءته من عدمه!

تهذيب حكايات شهرزاد لشهريار :

حكايات شهرزاد لشهريار
حكايات شهرزاد لشهريار 


   ومن عجيب الأمر أن حكايات شهرزاد لشهريار لم تجمع في كتاب عربي إلا بعد ترجمتها للعديد من اللغات الأجنبية، فقد رأى العرب على مر الزمان أنها حكايات ماجنة فاسدة محلها مجالس الغوغاء والرعاع لا ترقى لاهتمام الصفوة من العلماء والأدباء، حتى أتى المستشرق الفرنسي انطوان جالان وجمعها في كتاب باللغة الفرنسية من ألسنة العامة وبعض المخطوطات المتفرقة، وكان ذلك في مطلع القرن الثامن عشر عام 1704م، وعلى الرغم من أن أول نسخة من كتاب ألف ليلة وليلة لم تكن عربية إلا أنها أيضاً لم تسلم من التهذيب.

    حيث أن السلطة الدينية المسيحية في الغرب لم تكن تقبل نشر التلميحات الجنسية في بعض الحكايات، ما جعل الكاتب يشير إلى حذف بعضها من الأساس؛ لأن تهذيبها سيخل بمجرى الحكاية، وتبع الترجمة الفرنسية ترجمات أجنبية أخرى من إنجليزية وألمانية وغيرها من اللغات، بينما أول نسخة عربية من حكايات شهرزاد لشهريار لم تصدر إلا بعد ما يزيد من قرن، ولم تصدرها دولة عربية، وإنما صدرت بداية في ألمانيا، ثم صدرت طبعة كالكتا الأولى في الهند، وتبعتها طبعة بولاق في مصر عام 1883م.

   وفي المجمل يصعب تحديد أي النسخ الحالية مهذبة وأيها نسخ أصلية، بل إننا حتى اليوم نترجم الكثير من حكايات شهرزاد لشهريار من النسخ الأجنبية، ولا يتوافر بين أيدينا مرجع عربي نستطيع الادعاء بأنه مرجع ألف ليلة وليلة الأصلي!

ملاحظات على التهذيب:

   وكما ذكرت آنفاً من الصعب تحديد النص الأصلي من النص المهذب، ولكن المثير في الأمر أن جميعنا نعلم أن الحكاية الرئيسية تكمن في اكتشاف الملك لخيانة زوجته، ومن ثم يقتلها ويقرر الزواج كل يوم بفتاة عذراء يقتلها في الصباح انتقاماً من خيانة زوجته، ولكن ما نكتشفه من الصفحات الأولى لهذه النسخة من ألف ليلة وليلة، أن هذه الخيانة تمثلت في خروج زوجته بعد سفره مع جواريها والعبيد إلى البستان، ويظل العبيد والجواري يرقصون ويغنون وينشدون الأشعار بين يديها حتى يذهب النهار؛ فتعود إلى القصر!

    فهل هذه هي الخيانة الجليلة التي لأجلها قتل الملك كل فتاة عذراء في المدينة؟! أم أن هذا من أثر نسخ ألف ليلة وليلة المهذبة! وقياساً على ذلك هناك الكثير والكثير من المتناقضات بين ثنايا حكايات شهرزاد لشهريار في هذه النسخة، مما يجعل الأمر وكأنك تشاهد فيلماً أجنبياً على أحد القنوات العربية، إذ تجد فجأة مشهد لا علاقة له بالمشهد السابق عليه، وتطور مفاجئ في القصة لم تدل عليه أي مقدمات؛ لتكتشف أن هناك مشهد يتضمن بؤرة الحدث ويرتكز عليه الفيلم كله، ولكن قد تم حذفه لأنه يحتوي على قبلة مثلاً!

 

كتاب ألف ليلة وليلة
كتاب ألف ليلة وليلة

   وفي النهاية لا يسعني إلا أن أتوجه بنداء حار لأعزائي القراء، إذا كان أي منكم يعرف مصدراً للحصول على نسخة أقرب ما تكون للنسخة الكاملة والأصلية من ألف ليلة وليلة ؛ فلا يبخل علي بإرشادي أين يمكنني الحصول عليها؟ وأطمئنكم أنني قد كبرت كفاية لأفرق بين الصواب والخطأ، ولست طفلة تسعى لتقليد كل ما تراه أو تقرأه؛ فلم أعد أحتاج لوصي يقرأ علي المسموح لي من عدمه، وإذا كان منكم من أحد قرأ نسخ أخرى من حكايات شهرزاد لشهريار ؛ فليطلعنا على ما قرأه ورأيه فيه في التعليقات؛ لنتناقش جميعاً حول رؤانا المختلفة ونثري الحوار وتعم الفائدة.

تعليقات

إرسال تعليق

تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟