آخر المناطق المضيئة للكاتب معتز حجازي الصياد

 

آخر المناطق المضيئة للكاتب معتز حجازي الصياد
آخر المناطق المضيئة للكاتب معتز حجازي الصياد

 

    هذا العدد ربما أقل رعباً من سابقيه -قليلاً- ولكنه أكثرهم إيلاماً، بدءاً من صورة الغلاف التي قد تشي إلى حد ما بالفاجعة المقبلة والتي قد تكون في مق*تل بلوتو صديق ميكي ماوس وكلبه الوفي، إلا أن إيلامها لم يكن مقتصراً على فكرة العدد فقط، بل إنها بصورة أو بأخرى أحيت ذكرى لا زالت طازجة لواقع عشناه طويلاً خلال العام المنصرم، لا أعلم إن كان هذا مقصوداً أم لا، ولكن صورة الغلاف أحالتني تلقائياً لمشاهد أشـ لاء أطفال غز*ة وكبارها المعبأة في أكياس.

   والتي طالعناها ليل نهار في كل نشرات الأخبار حتى إعلان وقف إطلاق النار الذي لم يمضي عليه شهر للآن، وكان هذا حاجزاً نفسياً لي جعلني أتهيب القراءة، فطوال العام الماضي كنت أبتعد عن نشرات الأخبار قدر الإمكان حتى لا أرى هذه المشاهد وتطاردني في كوابيسي، ولكن لأنني أيضاً عنيدة حتى مع نفسي، وأصر على إنهاء الأمور حتى تمامها؛ ففي النهاية أقدمت على الأمر، وقرأت، بداية من العنوان "آخر المناطق المضيئة" يمكن إسقاطه على جل الأحداث بأنها كانت طريق النهاية لطمس آخر المناطق المضيئة في روح ميكي ماوس القديم الذي عهدناه.

    كما تم استغلال العنوان من أول سطور العدد حيث كان يتوجه ميكي إلى الغرفة الوحيدة المضيئة في الملاهي القديمة، وكأنها بصيص الأمل الأخير لإنقاذ صديقه الوحيد وما تبقى من ذكرياته وروحه القديمة، وخلال الرحلة الطويلة التي يخطوها في سبيل هذا الهدف، في كل خطوة منها يفقد جزءاً منه بدلاً من إحياءه، عندما ورد ذكر بطوط وبندق في ذكريات ميكي أثار الأمر لدي شجن طفولي، ولم أتوقع أن أجد أحدهم متمثلاً فعلاً في أحداث العدد؛ ففي مجلة ميكي قلما اجتمعوا في قصة واحدة، ولكن وجود بندق الفعلي في أحداث العدد لم يزد الأمر إلا إيلاماً.

   كان الحوار خلال العدد بالفصحى تماماً، وهو في هذا مختلف عن العددين السابقين حيث كان الحوار باللهجة العامية المصرية، عادة لا أفضل أن يكون الحوار بالفصحى في الأعمال القصصية والروائية، أجد الأمر مخالفاً للمنطق ويخرج بالقارئ عن الانسجام في الحدث؛ إذ من غير المنطقي أن يتحدث بائع متجول بالفصحى مثلاً أو أن يكون هناك حواراً منزلياً بين أفراد الأسرة يتبادلونه بالفصحى، ولكن نحن هنا نتحدث عن ميكي ماوس الشخصية الكارتونية لفأر ليس من المنطقي أن يتحدث أصلاً لا فصحى ولا عامية.

   فإذا كنا سنتخيل بالأساس أن بإمكانه الحديث؛ فلا ضير أن يكون حديثه بالفصحى أو العامية، وكما قلت سابقاً في العدد الأول أن جُل ذكريات طفولتي مع ميكي ماوس كانت منحصرة في قراءة مجلة ميكي، وقد كانت المجلة وقتها تُكتب بالفصحى المبسطة للأطفال تتخللها بعض الكلمات العامية، لا أعلم إذا اختلف الأمر الآن أم لا، ولكن على أية حال كنت معتادة على كون شخصيات ميكي تتحدث الفصحى؛ فلم أجد الأمر غريباً أو مستهجناً.

   لم أتوقع النهاية، بالتأكيد لم أتوقع أن تكون النهاية وردية يحصل فيها ميكي على الدواء، ويعود بلوتو إلى حضنه سالماً هانئاً، لست بهذا الحد من السذاجة لآمل ذلك في سلسلة رعب، وإنما توقعت أن ربما يتعرض ميكي لخدعة ما، ولا يحصل على الدواء الذي يمكنه من معالجة بلوتو؛ فيموت، ويكون هذا هو دافعه للانتقام فيما بعد، أو أن رحلة البحث عن الدواء تجعلهم يتعرضون لأمر فانتازي ما يمسخ أرواحهم، ويتحولون معاً لشخصيات أخرى معبأة بالشر.

   لم أتوقع انفصالهم بهذه الطريقة، ولكن ربما كان هذا الألم هو دافع أكبر ليجعل ميكي يتحول فيما بعد من بهجة الأطفال والكبار إلى خادم لوسيفر.

تعليقات