قبعة بالدانتيل الأسود للكاتبة أسماء صلاح |
قبعة بالدانتيل الأسود هو عنوان المجموعة
القصصية الأولى للكاتبة أسماء صلاح، وكما يوحي عنوانها بالأنوثة؛ فهي في قصصها
الخمسة عشر تتناول قضايا مختلفة تعيشها المرأة في مراحل مختلفة وأوضاع متنوعة من
حياتها على اختلاف المستوى المادي أو الاجتماعي أو الثقافي؛ فمهما اختلفت الظروف
المحيطة تظل الأمور التي تواجهها المرأة في المجتمع متشابهة، اللهم إلا قصة واحدة
عنونتها بالثمرة المحرمة كان بطلها رجلاً، ولكن ما عالجته القصة من حرمان وفقر
يعاني منه الرجل والمرأة على حد سواء.
وحتى تلك القصص التي كانت بطلتها المرأة فهي
دائماً ما تواجه بالبطل المضاد "الرجل" في مواقع مختلفة؛ ففي النهاية
عادة ما يكون هو المؤثر على الأحداث في الخلفية والسبب في تصاعدها سواء سلباً أو
إيجاباً؛ ففي قصة فستان وامرأتان كان تطلع البطلة لما ترى أنها أهل له، وتطوع
البطل المضاد بمنحها إياه مما جعلها تتوجس خيفة نظراً لكم الصور الذهنية التي
نحملها دائماً في أذهاننا عن طمع الرجال بنا وأنهم لا يقدمون شيئاً لامرأة دون أن
يسعوا لنيل المقابل من جسدها، وعلى الرغم من عدم طلبه أي شيء منها أو محاولته
للتلميح بأي شيء إلا إنها حتى النهاية تظل في ترددها وخوفها.
ولأن أكثر الرجال تأثيراً في حياة المرأة هو
الزوج؛ فقد كان له الحظ الأوفر من التواجد كبطل مضاد خلال قصص المجموعة بأشكاله
المختلفة في الحياة سواء كان محباً داعماً أم متسلطاً قاهراً أو سلبياً لا تأثير
له؛ فحتى هذا أيضاً يصيب المرأة بالاختناق؛ ففي القصة التي حملت عنوان المجموعة
قبعة بالدانتيل الأسود عانت البطلة على طول القصة من صمت زوجها المستمر وعدم
مبالاته بأي شيء يخصها، وفي "كلمة" كانت كل ما تحتاجه البطلة هو كلمة
فقط ربما لم تكن لتسقط فريسة المرض لو أنه قالها!
وربما كان عليه أن يدرك أن ثناياها وتهدل جسدها
كان بفعله؛ فعليه أن يشاركها الرحلة بدلاً من أن يقلب اللوحة ليذهب لأخرى في
"لوحة فارغة"، وكان الزوج مثالاً حياً للتسلط الذي يذيق المرأة أشد
لحظات القهر الذي لا يمكنها التخلص منه بعد أن قيدها المجتمع به في قصة
"ضباب"، وفي "الوجه الآخر لسندريلا" تخبرنا الكاتبة أسماء
صلاح أن تلك الشخصية الأسطورية التي تمنينا جميعاً حظها وأن نفقد يوماً فردة
حذائنا؛ ليخرج الأمير في رحلة طويلة للبحث عنا، لم نعرف يوماً ماذا حدث لها بعد أن
تزوجت الأمير، ولكنها تكشف لنا المخبوء وراء الستار في هذه القصة.
كما
لم تخلو المجموعة من قصص تتمتع بروح الدعابة والسخرية حتى في أشد لحظات الكآبة
كقصتها جوارب مرقطة بالبط الأصفر، والتي ذكرتني بفيلم me before you والذي يحلو للبعض تسميته بفيلم "الشراب
الأصفر المخطط"، وفي "0/3" يمكن تصنيف القصة بأنها أدب ساخر بحت
ستجعلك حتماً تبتسم وربما تقهقه وأنت تقرأها، وإن كانت تعبر عن جولة المنافسة
المستمرة بين الزوج والزوجة في انتظار من منهم سيحرز النقاط لصالحه، وفي قصة أحذية
فان كان الزوج محباً داعماً ولكن ذاك الأثر السلبي الذي يتركه الأهل على الفتاة
حين ينبذوها يجعلونها لا تتمكن من رؤية الحب الصادق في عيون من يحبها؛ فهي ترى في
النهاية أنها غير مستحقة للحب من الأساس.
أو ربما كانوا السبب في طمس هويتها؛ فتمضي
عمرها لا تعرف إلى أي جنس عليها أن تنتمي حتى يتنكر لها الجميع في القصة المعنونة
بـ "ة"، وما تعانيه المرأة في كثير من الأحيان قد يودي بها إلى الجنون؛
لذا كان للجنون نصيب في هذه المجموعة في قصتين "أفكار ثائرة" و"نصف
ابتسامة"، وليست كل مشاكل المرأة عميقة إلى هذا الحد ربما تبدو بعض مشاكلها
تافهة بالنسبة للرجل لكنها مشاكلها الخاصة وعليها أن تتحدث عنها؛ ففي حرب اللافتات
تعاني المرأة من تسلط الإعلانات وحرب الموضة عليها التي تجعلها تفرغ جيوبها في
لحظة لتواجه باقي أيامها جائعة في سبيل ملابس مكدسة في دولابها لا يمكنها أن تسد
جوعها بالتأكيد في النهاية!
ولأن أكثر ما تهتم به المرأة عادة هو مظهرها؛ فإن صورة الرقم القومي هي أزمة لدى الجميع وللنساء بالتحديد؛ لذا كانت ثورة البطلة في قصة "بالألوان"؛ لذا حتماً ستجد كل امرأة نفسها في قصة ما أو ربما أكثر في هذه المجموعة، وربما يستطيع الرجل إذا قرأها أن يفهم ولو جزءاً ضئيلاً في كيف عليه أن يعامل امرأته، وكلنا أمل أنه يوماً ما سيفهم!
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟