مناقشة مجموعة الكاتب محمد رفيع في نادي أدب آفاق اشتراكية |
أساطير لم تحدث بعد هو عنوان مجموعة قصصية من
الكاتب محمد رفيع، ويمكن تصنيفها ضمن إطار الخيال العلمي؛ فهي في جزئيها الأول
والثالث الأخير تشكل متتالية قصصية بطلها الدكتور آدم العالم الباحث، الذي لا
يتوقف عن إثارة الجدل في كل قصة باكتشاف علمي جديد أو نظرية جديدة لتفسير الأحداث،
ولا يتوانى عن التضحية بأي شيء في سبيل العلم، وإن كانت حياته هو نفسه، أما الجزء
الأوسط؛ فهو وإن كان في بعض قصصه كان بطلها أيضاً يحمل اسم آدم إلا أنه كان آدماً
مختلفاً عن الدكتور آدم.
فالجزء الأوسط من المجموعة حمل عنوان
"أساطير ربما حدثت"، وهو تناول لأثر الأسطورة في الحياة الواقعية،
ومحاكاة لها في حياة البشر الحالية، لم تكن قصص هذا الجزء تنتمي إلى الخيال العلمي
أو الفانتازيا (وهما مختلفان على أية حال)، وإنما هي قصص تحاكي الواقع الفعلي الذي
قد نحياه كثيراً، وقد يكون أكثر مرارة مما تتضمنه مآسي الملاحم والأساطير القديمة.
الجانب الروحي في الخيال العلمي:
على الرغم من كون قصص المجموعة أساطير لم تحدث
بعد تتضمن رؤية علمية بالأساس، إلا أن الكاتب محمد رفيع لم يغفل أهمية الجانب
الروحي للحياة؛ فإن كان العصر القادم هو عصر العلم إلا أننا لن نتمكن الحياة فيه
إلا إذا كان لنا جانبنا الروحي المتميز، لن يكون العلم وحده أبداً هو سبيل النجاة،
وحتى النظريات العلمية التي قد تكتشف أو يتم إثباتها لا بد أن تنبع أصلاً من الروح؛
ففي قصة "نظرية كل شيء" يحاول الدكتور آدم إثبات أن الأرض كائن حي له
روح وإرادة ويطور من نفسه.
ووفقاً لهذه النظرية تظهر الأوبئة والأمراض
والكوارث الطبيعية؛ لأن الأرض تحاول التخلص ممن يعبث بها ويعيق تطورها، وإن كانت
هذه نظرية يمكن التفكير فيها بشكل علمي، إلا إنها أيضاً أساس روحي قامت عليه كثير
من الفلسفات الروحية على مر العصور بكون الأرض هي أمنا التي علينا أن نتواصل معها
ونفهمها لنطورها ونتطور بها، وأن نمونا الروحي مقروناً بقدرتنا على التواصل مع
الأرض والطبيعة، وبالأساس ألم يخلق الله آدم من طين الأرض؟! ولم تكن هذه هي القصة
الوحيدة التي حملت جانب روحي في طياتها.
ففي القصة المعنونة بـ"قصة غير موجودة في
دفاتري" كانت أسئلة الدكتور آدم التي يحاول إيجاد إجابات شافية لها تدور في فلك
روحي؛ فهل يمكن للروح أن تتنبأ بالمستقبل؟ هل لو عاشت الروح في جوار من أحبته سيكون
عمرها أطول على الأرض؟ وهل ستعود مرة أخرى تعيد الكرة لتعوض ما فاتها في الحياة
السابقة؟ وهل سنعيد أخطائنا مرة أخرى حينها؟ وفي قصة "كعصى موسى أو
أمضى" كان السؤال عن ادعاء المثالية المفرطة في مواجهة العلم، هل يجب أن تقف
تفسيرات الدين والعادات والتقاليد عائقاً أمام تطور العلم حتى لو كانت احتماليات
نجاحه تحمل الصالح للبشرية جمعاء؟!
كلها
أسئلة يطرحها علينا الكاتب محمد رفيع من خلال الدكتور آدم لنفكر في إجاباتها
"فكر... فكر، فبالله لم يكتبنا رفيع، إلا كي تفكر".
غلاف المجموعة القصصية أساطير لم تحدث بعد |
الميتاقص عند الكاتب محمد رفيع:
وفي إطار حث الكاتب محمد رفيع لقارئ مجموعته
أساطير لم تحدث بعد على التفكير في النص، وألا تمر الكتابة عليه مرور الكرام لتمرير
الوقت ليس إلا؛ فقد كان يظهر الكاتب بين ثنايا النص فيما يسمى بتقنية الميتاقص،
والتي أظنها تقنية عربية بامتياز؛ فبخلاف تواجدها المستمر في التراث الشعبي
والحكايا الشعبية المتوارثة والمسجلة كألف ليلة وليلة والزناتي خليفة وغيرها، إلا
أنها على المستوى الأدبي أيضاً أظن أن أول من استخدمها كان عميد الأدب العربي طه
حسين في روايته ما وراء النهر قبل أن يتم التنظير لها في الغرب.
وهنا في مجموعتنا اساطير لم تحدث بعد أمتعنا
الكاتب محمد رفيع في استخدامه لهذه التقنية؛ فكانت تظهر في عدة مواضع ليست فقط
حافزة على التفكير وإنما أيضاً بخفة ظل تبعث على الابتسام أثناء القراءة، وحتى
إنها تحلق بنا أيضاً في أجواء شاعرية تضفي المزيد من الرومانسية على الأحداث والقص
حتى وإن نحت إلى أجواء كئيبة "شارع وشراعة وغسل شرعي، هل تواطأت اللغة معي؟
هل سكنت تلك القصة الكلام من يوم أن اخترع العرب حروفهم؟".
أساطير لم تحدث بعد أن يوجد نرسيس الأعلى:
منذ عدة سنوات سكنني سؤال أن ماذا لو تمكن
الإنسان من أن ينقسم ذاتياً إلى النوع المضاد؛ فيتزوج ذاته بدلاً من ذاك المرار
الذي نلاقيه في البحث عمن يكمل ذاك الجزء الناقص فينا، والخيبات والانكسارات التي
لا حصر لها التي نلاقيها في هذا الطريق، ولكنها ربما لعنة زيوس التي تلاحقنا، ولكن
في الثلاثية الأخيرة من مجموعة أساطير لم تحدث بعد يضع الكاتب محمد رفيع أمامنا
(أو أمامي أنا تحديداً) الإجابة الشافية لهذا السؤال؛ فإن أشد أنواع الحب مرارة وإيلاماً
أن يقع الإنسان في حب نفسه.
فعلها الدكتور آدم عندما تحول مرات ومرات من
ذكر لأنثى وبالعكس حتى وقعت نسخته الذكورية في حب نسخته الأنثوية وبالعكس أيضاً،
ولكن لم يكن هناك سبيل للقاء إلا على شاشات الفيديو المسجل في كل مرة؛ فهو لا
يمكنه أن يكون الذكر والأنثى في نفس اللحظة، وبذلك لن يتم لم الشمل أبداً إلا في
الخيال، وكان الحل الناجع في رأيه أن يستنسخ نسخته الأنثوية؛ ليتمكن من استبقائها
معه وأن تكون له زوجة، ولكن تلك النسخة عندما تبث فيها الحياة وتكبر يكون لها
قراراً مختلفاً؛ فليست هي من وقعت في حبه من الأساس!
ومن واقع خبرتي الضئيلة ربما في العلاقات
العاطفية وملاحظتي لتلك العلاقات من حولي أكاد أجزم أن أصعب أنواع الحب هو عندما
نحب من يكاد يكون نسختنا الفعلية في الجنس المضاد، وأنه أكثر أنواع الحب تعرضاً
للرفض على الرغم من كونه أكثرهم مناسبة وملائمة، ولكنه يضيع في زحمة الحياة بعد
التعرض لخيبات متتالية تفقد أحد الطرفين ثقته بالحب؛ فيهرب منه رافضاً وجوده مرة
أخرى والاعتراف به (لا علاقة لهذا بالقصة ولكنها مشاعري الخاصة أثارتها تلك
الثلاثية لدي وأيقظت ألماً أحاول إنكاره والهروب منه وجرحاً كنت أظنه قد اندمل).
أعجبني في القصة الخاتمة للثلاثية ولمجموعة
أساطير لم تحدث بعد ككل أن النسخة المستنسخة كان لها إرادة منفردة ولم توافق على
ما كان يبغيه منها ناسخها، ورأيت في هذه إشارة أن الإنسان مهما علا لن يكون إلهاً؛
فحتى لو تمكن من استنساخ بشري كامل لن يتمكن من استنساخ الروح بإرادته "وَيَسْأَلُونَكَ
عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"، والروح هي المتحكم الأول في قرارات وخيارات
الإنسان، هي التي ترشده أو تضله، وهي التي تحب وتكره وتبحث عمن يشبهها ويكملها.
كما رأيت أيضاً رغم كون هذه الأحداث تنتمي
للخيال العلمي وتتحدث عن نسخة مستنسخة، إلا أن بها إسقاطاً اجتماعياً أيضاً؛
فالدكتور آدم استنسخ ليليث بهدف أن تحبه وتتزوج منه، وظن أن كونه صانعها يؤهله لأن
يكون المتحكم في قراراتها وأن يختار بدلاً عنها، وهذا واقعياً ما يفعله كثير من
الآباء والأمهات، إذ يظنون أن كونهم هم من أنجبوا أبنائهم وسبب منحهم تلك الحياة؛
فهذا يخولهم أن يكونوا أصحاب القرار الأول والأخير في كل ما يخصهم ولهم عليهم حق
السمع والطاعة بلا نقاش أو تفكير ولا خيار لهم!
وكانت هذه هي نهاية الرحلة مع مجموعة الكاتب
محمد رفيع أساطير لم تحدث بعد، وقد كانت رحلة شيقة ممتعة بالنسبة لي، أتمنى لكم
أيضاً أن تخوضوها.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟