كل الأشياء كأن قراءة في رواية الكاتب رامي أحمد |
قرأت الرواية منذ عامين تقريباً، اشتريتها في
3 فبراير 2023 وبدأت قراءة في السادس منه، وأنهيتها في 22 مارس؛ لإني عدت إلى
أسيوط وتركتها في القاهرة، وحين رجعت إلى القاهرة أكملت قراءة، وأغلب الظن أن تلك
الليلة التي أنهيت القراءة فيها كانت ليلة رمضان، كتبت وقتها مراجعة انطباعية
سريعة على الجودريدز؛ لأنني كنت أرى أنني في حاجة لإعادة القراءة، وليس فقط إعادة
قراءة الرواية، بل القراءة عن كثير من الأمور سواء على المستوى المعرفي أو عن
تقنيات الكتابة قبل أن أكتب مراجعة مفصلة.
كنت قد قرأت سابقاً لماماً عن أسلوب الخطاب
بصيغة المخاطب في السرد الروائي (أنا حتى لا أذكر مسماه الاصطلاحي بشكل منضبط)،
وشعرت أنني في حاجة لقراءة المزيد عن الأمر حتى أتمكن من سبر أغواره، ولأننا كنا
في دخلة رمضان كما قلت؛ فقد أجلت الأمر، وظل مؤجلاً، لهذا يقولون لا تؤجل عمل
اليوم إلى الغد؛ فالتأجيل يدوم للأبد عادة، ولكن منذ يومين تقريباً حلمت أنني أعيد
كتابة المراجعة مرة أخرى، ولا أعلم لماذا أحلم بشيء كهذا؟ ولكن كل أحلامي غريبة
الأطوار على أية حال.
والأغرب فيها أنها لا تتركني وشأني إذا أتت؛
فتظل تطرق رأسي ليل نهار لا أهنأ بعيش في نوم أو يقظة حتى أنفذها كما لو كانت كبش
إسماعيل؛ فكان لزاماً عليّ أن أفعل وإلا لن أرى نوماً خلال الأيام المقبلة، وحاولت
التهرب من الأمر كوني عدت أيضاً إلى أسيوط، والرواية ليست بحوزتي؛ فلا أنا قادرة
على إعادة القراءة، ولا أعرف إن كنت أتذكر الأحداث بشكل جيد أم لا، ولا أظن أن
مستواي المعرفي الذي كنت أريد تنميته لأتمكن من مجاراتها قد تغير فيه شيء.
ولكنها
أحلامي التي تؤذني أذاً من مكاني ولن تتركني! حسناً لأنني تحدثت في البداية عن
أسلوب الخطاب السردي في الرواية، لا زلت أيضاً لا يمكنني مجاراته معرفياً، ولكن
اختيار هذا الأسلوب أعتقد كان له أكبر الأثر على جذب انتباه القارئ، فعادة ما يكون
السرد إما على لسان الراوي العليم الذي يصف الأحداث والشخصيات من منظوره الفوقي،
وعادة ما يتم إحالته من القارئ بأن الكاتب هو من يقص عليه الأحداث، أو أن يكون
السرد على لسان أحد الشخصيات، أو عدد منهم إن كانت رواية متعددة الأصوات.
وفي
هذه الحالة يكون لهم القدرة الأكبر على شرح نفسياتهم ومشاعرهم، ويبدو السرد وكأنه
مونولوج داخلي، كما قد يحدث لنا جميعاً عندما نسترجع أحداث ما مرت بنا ونحللها في
رأسنا، أما هنا فقد كان السرد موجهاً بضمير المخاطب لمن يقرأ؛ فيشعر القارئ منذ
اللحظة الأولى بأن الحديث موجه له، وأنه هو من عليه أن يفكر فيما يُطرح؛ فيجد نفسه
متورطاً في الأحداث منذ اللحظة الأولى، بعد فترة من السرد سنعرف أن وفيق يسرد
الأحداث بضمير المخاطب لأنه يدونها لنفسه في مذكراته حتى يتذكر تلك الأحداث عندما
يقرأها مرة أخرى؛ لأنه مصاب بأحد أمراض فقدان الذاكرة الجزئي.
وهو
يعبر عن أفكاره والأحداث التي يواجهها وصراعه مع ذاكرته وما يتداخل فيها والأسئلة
التي تقتحم رأسه في كل موقف، ويضع في اعتباره أنه من المفترض أن يقرأ هذا الكلام
فيما بعد؛ ليعيد تحليل الأحداث ويصل إلى الحقائق المخبأة عنه؛ لذا فإنه يكون
صريحاً تمام المصارحة في كل ما يدونه، وهذا يورط القارئ معه أكثر إذ أنه يشعر
بكونه المقصود من ذلك، وأن عليه هو أيضاً ربط الأحداث واكتشاف الحقيقة، وعلى الرغم
من كون الأحداث تتناول حالة طبية وصراع البطل في البحث عن هويته والوصول لحقيقته
المخبأة عنه، إلا أنها أيضاً تحمل إسقاطاً يورط القارئ معه أكثر.
كل الأشياء كأن قراءة في رواية الكاتب رامي أحمد |
فكل منا تنتابه لحظات كتلك يشعر فيها بالضياع،
وبأنه يعيش حياة ليست حياته، ويحمل على أكتافه هوية ليست له ولا يعترف بها، حتى لو
لم يكن يعاني مرضاً ما؛ فنحن في هذه الحالة نعاني من إكراه الظروف المحيطة التي
تجبرنا على أن نعيش حيوات لا تناسبنا حتى تضيع منا هوياتنا الحقيقية ونجد أنفسنا
مسوخاً لا نعرفها؛ لننطلق مرة أخرى في رحلة للبحث عن الذات الكامنة داخلنا وتراكم
عليها الصدأ، وأعتقد أن الكاتب مسكون بهذا الأمر.
ففي روايته "وهم" انطلق البطل ليبحث
عن ذاته من بين أوهام تراكمت عليها، وفي "آخر اللحظات الرائعة" كانت
الرحلة على مستويين: أديب الذي حاول أن يجد ذاته ولكنه أضاعها ولم يصلها إلا
تراباً، ومارك الذي أدرك ذاته خلال الرحلة، ودائماً في الخلفية هناك امرأة هي
السبب سواء بالسلب أو الإيجاب سواء عن عمد منها أم دون، "فتش عن
المرأة"، (أيوة احنا اللي أكلنا الجبنة)، في وهم كانت إيما وفي آخر اللحظات
الرائعة لأديب كانت ثورة ولمارك (لا أذكر اسمها).
وهنا كانت صفاء، وارتجف قلبي مع وفيق وصفاء وبكيت لأجلهما، أن يحرم المحب من أبسط وسيلة
للتعبير عن حبه وتلقي الحب ألا وهي أن يلقي بنفسه في حضن من أحبه ويضمه أيضاً
لحضنه؛ فهذا أمر مدمر، ولا ريب أن يصيبه بعدها ما أصابه، وخفت للحظات قبل أن تصل
الرواية للنهاية أن أجد النهاية مفتوحة، ولا أعلم تفسير الأمور، وما آلت إليه،
كانت الرواية الأولى التي أقرأها للكاتب، ولم أكن أعرف بعد غرامه بالنهايات التي
تقلب الأحداث رأساً على عقب، وحمداً لله أنه ليس مغرماً بالنهايات المفتوحة.
وإن
كانت النهاية لا تزال تطرح العديد من الأسئلة، ولكن هذه وظيفة الفن والأدب عموماً
أن يطرح الأسئلة؛ ليجد المتلقي إجابات لها سواء معرفياً أو نفسياً أو حتى بهدف المتعة وإغلاق
الدائرة، وهناك الكثير
يمكنني الحديث بشأنه، ولكنني حينها سأحرق الأحداث، وهذا ما لا أود فعله؛ لذا فإلى
هنا أدرك شهرزاد الصباح، وسكتت عن الكلام المباح، وتتمنى إنها تعرف تنام!
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟