أحياناً أكون أنا للكاتب عادل الجمال

 

أحياناً أكون أنا للكاتب عادل الجمال
أحياناً أكون أنا للكاتب عادل الجمال

 

    بينما أحضر عروض مهرجان المسرح التجريبي في مسرح السامر كانت الفترة التي تسبق العرض نقضيها في بهو المسرح الذي يحتوي على منفذ بيع كتب الهيئة العامة للكتاب، وعلى المنضدة الخارجية تم وضع كتب النشر الإقليمي التي تبيعها الهيئة بجنيه واحد، كان هذا بالطبع عامل جذب للكثيرين من الحضور الذين لم يصدقوا أنفسهم أن هناك كتب من الممكن أن تُباع بجنيه واحد هذه الأيام، ولكن الأمر ليس غريباً عليّ بالتأكيد وأنا ابنة قصور الثقافة، وكنت قد آليت على نفسي ألا أرضخ لأي مغريات؛ فليس معنى ضآلة السعر أن أظل أكنز في الكتب التي تتكوم لدي ولا أجد وقتاً لقراءتها، ولكن العنوان جذبني "أحياناً أكون أنا".

   كما أن المقتطف الذي تم وضعه على ظهر الغلاف من نفس النص الذي حملت المجموعة عنوانه كان جاذباً أكثر؛ فقد رأيته معبراً تماماً عن شخصيتي فعلاً، وجذبني الفضول لأن أقلب في صفحات المجموعة، وما قرأته على عجل كان من نوعية النصوص التي أحبها، تلك النصوص التي تعتمد على اصطياد لحظة واقعية عابرة من الحياة، سواء كانت حياة الكاتب الشخصية أو موقف ربما سمع عنه أو رآه صدفة أمامه؛ فيصيغه نصاً أدبياً في لوحة بالكلمات تشبه لوحة الفنان الذي يستخدم ألوانه في اصطياد لوحاته من مناظر الحياة والطبيعة أمامه.

  أو كالمصور الفوتوغرافي الذي يصطاد اللحظات العابرة في الحياة بكاميرته فيجسدها في لقطة عندما نراها في معرض ما تستوقفنا وتجعلنا نفكر ونتأمل فيما ورائها، على الرغم من كونها قد تمر كثيراً علينا في واقعنا ولكن لا ننتبه لها، وهذه هي وظيفة الفن والأدب فيما أرى، أن يلفت أنظارنا إلى أشياء ومواقف قد تمر علينا في زحمة الحياة مرور الكرام، ويجعلنا نفكر، أو ربما لم تكن تمر مرور الكرام بل هي مشابهة لما نعيشه بالفعل، ولكننا لفرط انغماسنا في الحياة لا نجد وقتاً للتفكير أو التأمل.

   ووظيفة الأدب والفن هنا أن يطرح علينا ما نعيشه فعلاً ولكن من رؤية خارجية؛ فنجد أنفسنا نفكر ونحلل، ونكتشف جوانب أخرى للأمر لم يكن يتسنى لنا رؤيتها ونحن في قلب الحدث، وهذا ما فعله الكاتب عادل الجمال في مجموعته أحياناً أكون أنا؛ فقد تطرق فيها للمسات شتى من الحياة قد نمر بها جميعاً من الطفولة للمراهقة للشباب وحتى الشيخوخة ومواجهة الموت، في المدرسة والشارع والبيت والميدان والجيش، الحب والزواج والأبوة والأمومة وصداقة العمر، وحتى العابرين في الطرقات والمارة.

  مواقف قد تمر علينا بطريقة عابرة من سنان السكاكين الذي ينادي على بضاعته، أو القهوجي الذي يوهم زبائنه بحياة متخيلة، أو مار عابر بالقهوة كل ما يرغب فيه احتساء كوب شاي ونظرة اهتمام، أو بائع الفول القديم الذي اختفى مع تغير معمار الشوارع وزحف البنايات الطويلة على الطريق، أو خادمة البيوت التي تعيش وحدها في زاوية الطريق ولا أحد يهتم لوجودها، حتى هموم سلة المهملات المهملة في أحد المصالح الحكومية اهتم لها الكاتب عادل الجمال وبروزها في نص يخلدها بمجموعته القصصية أحياناً أكون أنا.

   وما أعجب له حقاً أن كيف لكاتب بهذه الإجادة والبراعة الأدبية ووصل لهذا العمر حيث جاوز الستين، ولم يصدر من قبل أي عملاً آخر، ولكنها للأسف عادة أغلب المبدعين إذ يظنون أن ما يكتبونه هو مجرد هواية وأمر غير ذي بال، وتطحنهم الحياة المهنية والعملية والبحث عن لقمة العيش والقيام بواجباتهم الأسرية، وقد يكون من النادر أن يجدوا بعد مرور سنوات طويلة من العمر من يشجعهم على إبراز موهبتهم والاهتمام بها، ولكن ما أرجوه ألا يتوقف الكاتب عادل الجمال بعد إصداره لمجموعته أحياناً أكون أنا.

  فأنا أنتظر منه أن يدافع عن كونه "أنا" ولا يترك ذلك الـ"هو" يصبح بطل المونودراما، ولا يكتفي الـ"أنا" بدور الكومبارس، بل عليه أن يسلب المسرح منه ويحتل دور البطولة رغماً عنه؛ فالحياة يجب أن يعيشها الـ"أنا" بما يهواه ولا يتركها للـ"هو" يحدد له مساره فيها رغماً عنه، وما دام في الحياة بقية يمكننا دوماً تعويض ما فات.

تعليقات