المجموعة القصصية فاتحة للسندباد للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف

 

مع الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف والمجموعة القصصية فاتحة للسندباد
مع الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف والمجموعة القصصية فاتحة للسندباد


 

    في البداية قبل أن أخوض في أي كلام أو تفاصيل من أي نوع، أريد أن أسجل إعجابي الشديد بكل نص في هذه المجموعة القصصية الرائعة.

   المجموعة القصصية فاتحة للسندباد أهداني إياها كاتبها الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف في أول لقاء لنا يوم تسليمي جائزة المركز الأول في مسابقة الورداني الأدبية في مجول بالمحلة الغربية، كان يوماً ميموناً، تسلمت الجائزة وعدت إلى القاهرة رفقة صديقتي ندا التي صاحبتني طوال الرحلة مع الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف الذي عرض توصيلنا معه شهامة منه، وفي نهاية الرحلة أهداني كتابه (يعني طلعت من اليوم بجايزة وتوصيلة وكتاب <3 )، بينما لم ينل هو في الغالب إلا صداع تقبله بصمت جراء التلوث السمعي الذي أطلقته في الأجواء لإصراري على الغناء مع حليم الذي كان صوته يصدح من مذياع السيارة، لو كنت مكانه لأغلقت المذياع وأرحت جهازي السمعي.

   العنوان فاتحة للسندباد أثار لدي العديد من الأسئلة والتخمينات قبل القراءة، هل هي فاتحة أي تفتح الطريق للسندباد كأن تكون بداية جديدة أو ربما تصور جديد أو مغاير لرحلات السندباد؟ أم أنها فاتحة بمعنى قراءة الفاتحة للميت؟ فحين يموت أحد نطلب من الناس قراءة الفاتحة قائلين الفاتحة لفلان، وبهذا المعنى هل تحمل المجموعة رثاء للسندباد أو تراثه؟ هل المجموعة تدور في إطار فانتازي مصاحب لأجواء حكايات السندباد كما أعتدناها أم أن استخدام اسم السندباد هو فقط استدعاء لما يحمله من مغامرات السفر والترحال؟

   كل هذه الأسئلة دارت في ذهني عند قراءة اسم المجموعة قبل قراءة نصوصها، وبعد قراءتها أجد أيضاً أنها تحمل كل هذه التأويلات ما عدا الأجواء الفانتازية، فنصوص المجموعة تحمل من الواقعية والذاتية الكثير، والقصة تحديداً التي حملت عنوان المجموعة فاتحة للسندباد تحتمل تأويلها كونها بداية جديدة لرحلات السندباد مع خيال الولد "مولانا" الذي يسافر بخياله وأحلامه إلى بلاد الهند والسند وبغداد ويركب بساط الريح ويلتقي ست الحسن، وهي أيضاً قراءة الفاتحة على روح أحلامه تلك حين تصطدم بأرض الواقع، ويفيق منها على صفع الأسطى لقفاه لينتبه لعمله كمنادي ميكروباص فاقداً لحقه البريء كطفل في الحلم والخيال.

    والمجموعة القصصية فاتحة للسندباد للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف كتبت بأسلوب ذاتي رائق يجعل القارئ يتواصل معها بشغف وصدق، وعلى الرغم من أنني لم أكن أعرف الكثير عن حياة الكاتب الشخصية قبل القراءة، فجل ما أعرفه أنه من المحلة بالغربية وأنه رئيس المجلس القومي لثقافة الطفل، ولم أكن أعرف أنه بدأ حياته المهنية كمعلم لغة إنجليزية، أو أنه سافر في بعثة دراسية إلى أمريكا، هذه المعلومات عرفتها بعد أن أنهيت القراءة، ومارست عادتي بعد الانتهاء من قراءة أي كتاب في الاطلاع على كل ما نشر عنه وعن كاتبه على جوجل.

غلاف المجموعة القصصية فاتحة للسندباد للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف
غلاف المجموعة القصصية فاتحة للسندباد للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف


  وعلى الرغم من عدم معرفتي بذلك منذ البداية إلا أن جل النصوص التي كان السارد فيها له هذه الخلفية شعرت أنها كتابة ذاتية، ولاحظت فيما بعد أن النصوص التي كان الكاتب هو بطلها بصورة أو بأخرى كانت تروى بالذات الساردة، في حين أن النصوص التي كان أبطالها أشخاص آخرين كانت تروى من خلال الراوي العليم، ولا يعني هنا كون النصوص بها من الذاتية ما بها أنها لا بد وأن تعبر عن حياة كاتبها بالفعل وتكون مجرد نسخة من الحقيقة وما جرى في الواقع بالفعل.

   فالكاتب حين يكتب مستمداً من حياته ليس ملزماً بالصدق الموضوعي وإنما ملزماً بالصدق الفني، وقد تقع أحداث في حياة الكاتب وتنتهي بشكل ما في الواقع؛ فيسرح خياله فيها متصوراً منعطفات أخرى كان من الممكن أن تنعطف إليها الأحداث لتصل إلى نهايات أخرى؛ فيسجل ذلك ويعيشه كتابة لا واقعاً، وليس أدل من ذلك إلا ما فعله الكاتب الراحل جمال الغيطاني في كتاب التجليات، الذي هو من المفترض أنه سيرة ذاتية له ولوالديه وناصريته، إلا أن القارئ سيفطن من أول لحظة بالتأكيد أن جمال الغيطاني حقيقة لم يسافر في الزمن ويلتقي بأبويه في صباهما وهما لا يعرفانه، ولم يرتقي بالتأكيد إلى رئيسة الديوان "السيدة زينب" ليلتقيها ويجالسها ويحاورها ويراها رأي العين.

   لقد فعل جمال الغيطاني كل هذا بخياله وضمنه سيرته الذاتية الخاصة؛ لأنه عاشه بالفعل وإن كان فقط في الخيال، وهذا في سيرة ذاتية موسومة أنها سيرة ذاتية ومع ذلك يدخلها الخيال كيفما شاء خيال كاتبها؛ فما بالك بنصوص قصصية لم يسمها كاتبها بأنها سيرة ذاتية وإن استمدها من حياته بالفعل، فهو حر في حذف وإحلال وإدخال أحداث كيفما شاء، وبالعودة إلى المجموعة القصصية فاتحة للسندباد للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف، فأنا لا أعرف بالتأكيد أي نصوص أدخل عليها الخيال وأيها لم يدخل عليه.

    أردت فقط توضيح هذه النقطة؛ لأن الكثير من القراء يبدأون بالحكم على الكتاب من خلال نصوصهم خاصة لو ظهر منها أنها تتماس مع حياتهم الواقعية، ويربطون بين ما يكتبون وما يعيشونه بالفعل، وينسون قول الله تعالى عن الشعراء أنهم يقولون ما لا يفعلون، وهو قول لا ينطبق على الشعر وحده وإنما ينطبق على فنون الكتابة أجمع فهي فنون الخيال، وإن كان بالأصل ليس من حق أي شخص أن يحكم على أي أحد تحت أي بند من الأساس! وتلك الكتابة الذاتية هي الكتابة التي أحب.

    وعوداً إلى عنوان المجموعة فاتحة للسندباد أعود فأقول إن العنوان كان موفقاً لاختياره عنوان للمجموعة بأسرها، ففي كل نص ارتحلنا كسندباد بين الماضي والحاضر، بين ذكريات وأحلام الطفولة البريئة وواقع الكبار المرير، بين الريف والمدينة، بين الشرق والغرب، بين مصر وأمريكا، بين هموم الوظيفة وأحلام الفن، بين قيود المسئولية وحلم الحرية، بين الحب والهجر، كانت رحلة ممتعة تقلبنا فيها على كل الأوجه، ورأينا ما لا يمكن إلا للبساط السحري أن يرينا إياه ونحن لا زلنا في مقاعدنا لم نبارح نفس المكان.

تعليقات