رسائل حب الشاعر كامل الشناوي

 

رسائل حب الشاعر كامل الشناوي
رسائل حب الشاعر كامل الشناوي


    من المفترض أن الكتاب عبارة عن رسائل حب كتبها الشاعر كامل الشناوي لمن أحبهن حسب تقديم أخيه مأمون الشناوي للكتاب الذي تطوع بجمع مادة الكتاب التي لم يسعى كامل الشناوي لعرضها في كتاب أثناء حياته، ولكن حقيقة الأمر أن الكتاب لا يضم من رسائل الحب سوى رسالة واحدة طويلة تليها مقالات متنوعة في مختلف شئون الحياة، وهذه الرسالة الطويلة مثيرة للأعصاب فقط لا غير ولا تعد فتحاً في دنيا الأدب وحقاً للجمهور كما حاول مأمون الشناوي تقديمها للقراء.

   فمن فحوى الرسالة يتضح أن المرسل إليها هي فتاة في التاسعة عشر من عمرها، وفي جوانب حديثه خلال الرسالة يشير إلى تساؤل البعض عن سبب عدم زواجه وقد جاوز الخمسين من عمره، أي أننا أمام رسالة حب موجهة من رجل في الخمسينيات إلى فتاة قد ودعت الطفولة مؤخراً تحتفل بعيد ميلادها التاسع عشر، ويلومها في الرسالة أنها تعذبه بحبها منذ سنوات! لا أدري حقيقة هل كان يحبها وهي طفلة في الحضانة مثلاً؟! وهل كان من المفترض أن تبادله هذا الحب؟!

   فهو يلومها أيضاً أنها تتعامل مع الجميع بود وترحاب وهو الذي كان يظن أنها معاملة خاصة له تنم عن حبها، ويعد ذلك من آيات الغدر والخيانة في طبعها، ولا أدري كيف كان من المفترض أن تتعامل فتاة في التاسعة عشر من رجال في عمر والدها بغير الود والترحاب والتقدير؟! هل من المفترض أن تنفر منهم وتعاملهم باحتقار مثلاً ليشعر هو بالرضا والتميز؟! وهل إذا عاملت فتاة صغيرة رجل في عمر والدها أو أكبر باحترام وتقدير ومحبة عنى ذلك أنها كأنثى قد وقعت في غرامه كرجل؟!

   ومن حيثيات الرسالة وما أشاع وقتها عن حب كامل الشناوي للفنانة نجاة الصغيرة، يمكن تخمين أن تلك الرسالة قد تكون موجهة لها، فهي قد بدأت حياتها الفنية في عمر التاسعة عشر وكان كامل الشناوي من الداعمين والمقربين لها في هذا الوقت، وبغض النظر عن كون المرسل إليها هي الفنانة نجاة الصغيرة أو أي فتاة غيرها فإن هذا لا يجعل من تلك الرسالة منطقية، فأي فتاة في هذا العمر ستتعامل في العادة مع رجل يهتم بها في مثل عمره بروح أبوية؛ فيكون لها في مقام الأب أو المعلم، وغالباً لن تفكر فيه كحبيب، إلا إذا كانت ممن يحملون عقدة أوديب في داخلها.

    فالفتاة في مثل هذا العمر لن يكون لها من الخبرة ما يجعلها تدرك أن هذا الاهتمام حب رجل لامرأة وليس حب أبوي، وحتى لو أدركت هذا فهي أمام خيارين إن لم تكن تبادله نفس المشاعر؛ فإما أن تبتعد عنه وتلفظه من حياتها نهائياً، وإما أن يكون شخصاً غالياً عندها وتود أن تستمر صداقتهما فبالتأكيد لن تتطرق للموضوع ما دام لم يفاتحها فيه، وفي جميع الأحوال بالتأكيد ليست هي الملامة، وليس ذنبها أن رجلاً في سن والدها وقع في غرامها.

   بل حتى لو كان في مثل عمرها، فليست كل فتاة مضطرة أن تحب رجلاً لأنه أحبها، وكذلك الرجل ليس مضطراً أن يحب امرأة لأنها أحبته، وإلا اعتبر الطرف الثاني خائناً وقاسياً لأنه لم يبادله نفس المشاعر! وأنا لا أعترض على فارق العمر بينهما ولكن على توقيت ذلك الفارق، فلو أن امرأة في الثلاثين أحبت رجلاً في الستين من عمره أو يزيد وتزوجته ما وجدت في ذلك غضاضة، فهي امرأة ناضجة تعي تماماً ما هي مقدمة عليه وعلى وعي كامل باحتياجاتها وما ترغبه في حياتها، وقد وجدت ما تريده في رجلاً بمثل عمر والدها وهي تعي ذلك، لكن الأمر يختلف تماماً حينما تكون طفلة لا تعي من الدنيا شيئاً!

    المذهل في الأمر أن صاحب هذه الرسالة يرى في آخر مقال له بين دفتي كتاب رسائل حب كامل الشناوي، أننا نحتاج قانوناً جديداً للزواج، هذا القانون يمنح تصاريح خاصة للزواج ومن المفترض أن يمنع غير المؤهلين للزواج من الزواج، وغير المؤهلين هؤلاء في نظر كامل الشناوي بخلاف المجرمين وأصحاب السوابق فهم أيضاً المرضى والفقراء والعاطلين عن العمل، وذلك حتى نحمي المجتمع من وجود أطفال قد يحملون علات والديهم أو لا يستطيع والديهم توفير متطلبات الحياة لهم.

   ويرى كامل الشناوي أن لابد أن الدين يجيز هذا لأنه في سبيل حماية المجتمع والدين الإسلامي يتمتع بالمرونة في هذا الصدد، ويستشهد في ذلك أن عمر بن الخطاب أوقف حد السرقة أثناء أحد المجاعات حرصاً على الصالح العام ومراعاة لاحتياجات الناس، والعجيب في الأمر أن يستشهد بهذه الواقعة تحديداً في مزعمه الغريب، فقد تم إبطال حد السرقة أثناء المجاعة لإحتياج الناس للطعام حتى لو بالسرقة وهو احتياج فطري وغريزي كالاحتياج الجنسي تماماً، فلو منعنا بعض الناس من الزواج لأننا نراهم غير مؤهلين لذلك كيف سيلبوا احتياجاتهم الجنسية الفطرية الغريزية؟ هل سنجيز لهم الزنا في المقابل؟!

   وبمقارنة هذا المقال بالرسالة الأولى التي تصدرت كتاب رسائل حب كامل الشناوي، هل من المفترض أن نعطي تصريحاً بالزواج لكهل في الخمسين من عمره يرزح تحت أمراض الشيخوخة ليتزوج طفلة في التاسعة عشر من عمرها وينجب منها أطفالاً لا يلبث أن يتركهم معها دون أب ودون عائل؟! أصابتني الرسالة والمقال بالغثيان ولم يشفع لهما أي من مقالات الكتاب الأخرى فلم تكن أي منهم تحمل قيمة عالية، وربما لذلك لم يشأ كامل الشناوي أن ينشرهم في حياته وأودعهم درج مكتبه.

   واللوم في وجود هذا الكتاب في تاريخ البشرية يقع على كاهل أخيه مأمون الشناوي الذي حمل على عاتقه نشر محتوياته التي لا أدري لها سبباً واحداً إلا إذا كان يريد الإنتقام منه سراً على أمر ما يجهله سواهما!

تعليقات