ليالي فاروق كما يرويها مصطفى أمين

 

ليالي فاروق كما يرويها مصطفى أمين
ليالي فاروق كما يرويها مصطفى أمين


 

     بداية كتاب ليالي فاروق للكاتب الصحفي المخضرم مصطفى أمين، هو كتاب مسلي وممتع لأبعد حد لا شك في ذلك، ولكنه ممتع ومسلي كرواية مشوقة وصفحات النميمة في الجرائد ليس إلا، فلا يمكن الإعتماد عليه كمصدر أو مرجع تاريخي بعكس ما يوحي به، فعندما تقرأ كتاب عن الملك فاروق وضعه الصحفي الكبير مصطفى أمين الذي عاصر كل عهد فاروق تقريباً وكان من كبار الصحفيين في ذلك الوقت؛ فأنت تتوقع معلومات تاريخية موثقة وحقائق لا جدال فيها.

    ولكن للأسف فإن مصطفى أمين في كتابه ليالي فاروق لم يفعل سوى أنه أورد حكاوي النميمة التي تجري على لسان العامة وخلف جدران القصور بدون توضيح أي مصدر موثوق لهذه الحكاوي، وربما هذا يتماشى مع عنوان الكتاب في الأصل "ليالي فاروق" ولكن أنا من توقع الكثير فخابت توقعاتي، ولا يرجع سبب عدم اقتناعي بكل ما ورد في الكتاب لغرابة وعدم منطقية الأحداث فقط، فعلى كل حال لا يوجد أغرب من تصرفات البشر ودائماً ما تكون الحقائق أغرب من الخيال.

    فليس ما يدفعني للتشكيك في كثير مما ذكره مصطفى أمين عن ليالي فاروق هو شذوذ أفعال وتصرفات الملك فاروق كما يصفه مصطفى أمين، فكل الملوك على مر العصور كانت لهم تصرفات وعادات شاذة ومشينة وهذا ليس بأمر مستبعد عن أحد، وكل من نال السلطة أسكرته وجعلته يقوم بأشياء أشبه للجنون في نظر العامة، لأنهم لم يجربوا أن يكونوا في نفس الوضع، فالمشكلة في كتاب ليالي فاروق لم تكن في ذلك، بل تكمن في عدم منطقية وتناقض سرد مصطفى أمين ذاته لا تناقضات الملك فاروق.

    ففي بداية كتاب ليالي فاروق يورد مصطفى أمين أن الملك فاروق لم يكن زير نساء ولم تكن له علاقات غرامية غير شرعية ولكنه كان فقط يحب أن يظهر وحوله العديد من الفتيات الحسناوات ليمنحوه الإحساس بأنه دونجوان عصره، ولكن لا يلبث مصطفى أمين أن ينسى ما ذكره في بداية كتابه حتى يسترسل في وصف علاقات غرامية للملك فاروق مع نساء من كل شكل ولون ومن دول مختلفة على فراش الملك في جناحه الخاص بقصر عابدين.

   لا تكمن المشكلة هنا فقط في كون مصطفى أمين يتناقض مع نفسه ويورد أقوال متضاربة في نفس الكتاب، ولكن المشكلة الأكبر أنه يورد تفاصيل وأحاديث نصية تدور في مخدع الملك فاروق وكأنه كان جالساً بينهم على فراش واحد! وهذا لا ينحصر فقط فيما ذكره عن مغامرات الملك فاروق النسائية ولكنه يتعداها أيضاً لكل شئون الأسرة المالكة، فهو يورد أحاديث نصية دارت بين السفير المصري وشاه إيران في واقعة طلاق الأميرة فوزية منه وكأنه كان معهم في قصر الشاه بإيران.

   فحتى لو سلمنا أن السفير المصري قد حكى الواقعة تحت أي ظرف لمصطفى أمين فهو لن يحكيها أبداً بتلك الدقة التي أوردها مصطفى أمين وكأنه يكتب حواراً لرواية من تأليفه! بل وصل به الأمر في نهاية كتابه عن ليالي فاروق الذي اختتمه بقصة الملك فاروق مع الراقصة الشهيرة سامية جمال أن يورد حديث ذاتي لسامية جمال دار في خلدها، فهل كان مصطفى أمين واقفاً في العقل الباطن لسامية جمال يسجل حديثها الذاتي؟ ولكي يتنصل مصطفى أمين من هذا الفخ فقد أورد أن معلومات هذا الفصل منبعها الفنان فريد الأطرش.

    ولكن حقيقة الأمر أن هذا غير مقنع، فحتى فريد الأطرش مهما كانت درجة حبه لسامية جمال فلم يكن بإمكانه سبر أغوار الحديث الذاتي لسامية جمال الذي لم تفصح له عنه وتركت مصر كلها لتتزوج بمليونير أمريكي دون أن تخبر أحداً ولا حتى فريد الأطرش نفسه، ولكن مصطفى أمين قرر أن يكشف الستار عن هذا الحديث الداخلي ويورده وكأنه حقيقة لا جدال فيها، قرأت من قبل لحفيد مأمون الشناوي أن مصطفى أمين كان يفبرك الحوادث ويضخم الإشاعات ويجعل منها حقائق ليحدث الضجة الإعلامية المطلوبة.

   وبعد قراءتي لكتاب ليالي فاروق تأكدت من هذا، لم يكن هناك وقتها مصادر للتأكد من المعلومات وكان من السهل على الصحفيين أن يقولوا ما يحلو لهم ويقنعوا قرائهم بما يريدون دون أن يتمكنوا من معرفة إذا ما كان هذا حقيقي أم لا، لا زال الصحفيون يقيمون بذلك للآن ولا زال هناك من يصدقهم، ولكن الكثيرين أصبح لديهم الوعي الكافي ليعرفوا أن ليس كل ما يقرئونه في الصحف ويسمعونه على الراديو ويشاهدونه في التلفاز ومؤخراً يظهر لهم في كل مكان على وسائل التواصل الإجتماعي، ليس بالضرورة أن يكون حقيقي.

    لذا ومن نفس المنطلق فإن ما ورد في كتاب ليالي فاروق بقلم الصحفي مصطفى أمين ليس بالضرورة أن يكون حقيقي، فكتاب يتحدث حرفياً عن فضائح ليالي فاروق بعد إعلان الجمهورية لا بد وأنه سيحقق مبيعات خيالية خاصة مع شعب يعشق الفضائح وأحاديث النميمة، ولكن كما قلت في البداية هو كتاب ممتع ومسلي يحوي الكثير من القصص والحكايات المشوقة بغض النظر عن كونها حقيقية أو لا.

تعليقات