قراءة في رواية مملكة الفراشة للكاتب واسيني الأعرج

 

غلاف رواية مملكة الفراشة للكاتب واسيني الأعرج

   حصلت على رواية مملكة الفراشة للكاتب واسيني الأعرج في نسخة إلكترونية مأخوذة عن الطبعة الأولى التي صدرت مع مجلة دبي الثقافية على ما أذكر، وهي أول قراءة لي من أعمال واسيني الأعرج على الرغم من سماعي عنه منذ سنوات ولكنني متأخرة في القراءة للكثير من الأدباء والكتاب عموماً، رغبت بداية في قراءة رواية مملكة الفراشة لأنها تحمل اسم واسيني الأعرج ولأنني أود قراءة أنواع مختلفة من الأدب، ولكن لم يجذبني إطلاقاً الغلاف الذي رأيت وكأنه عبارة عن تصميم فوتوشوب رديء.

   رغم ذلك بدأت في القراءة ولكن أيضاً لم تجذبني افتتاحية الرواية التي أراها غير موفقة على الإطلاق ولعدة صفحات كانت الرواية تصيبني بالملل الشديد، ولكن لعادة في تقضي بعدم الهروب من أي شيء قبل إنجازه أكملت القراءة، وصراحة أنني دوماً أمتن لهذه العادة، فبعد عدة صفحات بدأت أحداث الرواية والسرد الأدبي يجذبني، وأكثر ما جذبني في رواية مملكة الفراشة هو اعتماد واسيني الأعرج على التناص الأدبي طوال السرد سواء مع أعمال أدبية أو فنية سابقة أو مع التراث الشعبي والتاريخي.

   كمية الثراء الثقافي الذي تحظى به رواية مملكة الفراشة جعلت منها وجبة دسمة مشبعة جداً لأي متذوق للأدب والفن، وإن كان البعض يرى أن في هذا استعراض من الكاتب واسيني الأعرج لثقافته إلا أنني أرى أنه بهذا الأسلوب الممتع يفتح الباب أمام قراءة للإطلاع على آداب وفنون أخرى مختلفة من حول العالم ربما لم يكونوا ليتعرضوا لها لو لم يلمح هو عنها ويتناص معها في أعماله، صراحة تمنيت لو أتمكن من أن أنشئ أسرة كأسرة مايا (بطلة رواية مملكة الفراشة) نتراشق فيها جميعاً بالأدب والفن ونتمثلهم في حياتنا، على ألا تكون مصائرنا في النهاية كمصائرهم.

    قبل قراءة رواية مملكة الفراشة للكاتب واسيني الأعرج لم أكن أعرف شيئاً عن الحرب الأهلية الجزائرية، وإن كنت سمعت عن بعض الحوادث سابقاً إلا إنني كنت أظن أن الأمر لا يعدو كونه عمليات إرهابية متفرقة لا حرب كاملة استمرت عشر سنوات أكلت فيها الكثير من الأبرياء، وأظن الآن أنني بحاجة إلى القراءة عن تاريخ تلك الحرب لأعرف أسبابها ولم اندلعت من الأساس؟! وكان هذا الأمر من أحد الانتقادات التي وجهت للرواية حيث ظن الكثيرون أن الرواية تدور في فترة العشرية السوداء التي تمثل الحرب الأهلية والتي كانت بين عام 1992 وحتى عام 2002.

   ورواية مملكة الفراشة تعتمد على فكرة ظهور الفيس بوك والعلاقات العاطفية الوهمية التي تتكون من خلاله، فرواية مملكة الفراشة للكاتب واسيني الأعرج هي سرد ذاتي لبطلة السرد "ياما" فكأنها مذكراتها الشخصية التي كتبتها بعد انتهاء الأحداث ونحن نقرأها الآن، وتحكي فيها عن ملابسات تلك العلاقة التي كانت تهرب فيها مما يحدث حولها في البلاد، وبالطبع لو كانت الأحداث تدور في فترة الحرب الأهلية فلا مجال لذكر الفيس بوك الذي لم يظهر للوجود من الأساس إلا في عام 2004 على نطاق ضيق، ولم يصل للدول العربية إلا بعدها بسنوات.

   ولكن القارئ المتأني للسرد يدرك أن ياما في معرض حديثها تلمح أكثر من مرة إلى أنتهاء عشر سنوات من الحرب الأهلية الجزائرية يعقبها عشر سنوات من الحرب الصامتة أي أن الأحداث تدور تقريباً في عام 2012 م، ولا أدري كيف غاب هذا الأمر عن الكثير من القراء فانبروا ينتقدون القفزات الزمنية وخلخلة الزمن في السرد وعدم منطقيته! أيضاً من الانتقادات الأخرى التي قرأتها حول رواية مملكة الفراشة هو تمثل الكاتب واسيني الأعرج للعديد من النصوص الفرنسية خلال السرد سواء الأدبية أو الحوارية، واتهامه بالدعوة للتغريب والإنسلاخ من الهوية العربية والإسلامية.

    أجد هذه الإنتقادات مبالغاً فيها بطريقة غير منطقية، فكلنا يعرف أن أغلب مواطني دول المغرب العربي يتحدثون الفرنسية بطلاقة وبعضهم يتحدثها كلغة أولى نتيجة للإحتلال الفرنسي خلال القرن الماضي، وبطبيعة الحال فإنه أمر عادي أن تتحدث الشخصيات باللغة الفرنسية في بعض المواقف وأن يقرأون الأدب الفرنسي ويسمعون الغناء الفرنسي ويتأثرون به، خاصة وأن أم الشخصية الرئيسية هي معلمة لغة فرنسية بالأساس، كما أن الأسرة بكاملها كانت تتنقل -بحكم عمل الأب في شركات الصيدلة العالمية- في مختلف دول أوروبا وأمريكا، فبالطبع ستكون ثقافتهم منفتحة على مختلف الثقافات!

   في النهاية أعجبتني كثيراً رواية مملكة الفراشة للكاتب واسيني الأعرج واستمتعت بها، قد لا تكون عملاً رائعاً يوضع في مصاف الأعمال العالمية ولكنه بالتأكيد عمل جيد وممتع.