قراءة نقدية في رواية قيد الفراشة للكاتبة شيرين سامي

 

غلاف رواية قيد الفراشة للكاتبة شيرين سامي
غلاف رواية قيد الفراشة للكاتبة شيرين سامي




    يدور في رأسي نص بطلته بشكل ما فراشة؛ وفي سبيلي لتطوير رؤيتي لذلك النص قررت أن أقرأ كل ما قد يقع تحت يدي عن عالم الفراشات سواء علمياً أو أدبياً، وكان من بين ما وجدته في نتائج البحث على جوجل رواية قيد الفراشة للكاتبة شيرين سامي، لم أظن أنني سمعت بها من قبل، ولم أقرأ للكاتبة شيرين سامي سابقاً واكتشفت أنها من أصدقاء الفيس بوك لدي ولكن للأسف لم يسبق أن كان لي شرف التواصل معها أو قراءة منشوراتها على ما أظن؛ فلم أكن أعرف شيئاً عن أعمالها.

   إذاً رواية قيد الفراشة للكاتبة شيرين سامي هي أول لقاء لي بها ككاتبة ووفقاً لما علمت فهي أول عمل روائي لها بعد مجموعتها القصصية الأولى "كتاب بنكهة مصر"، حقيقة الأمر بدت لي الرواية تقليدية وسطحية بعض الشيء، هي مجرد حكاية أقرب منها للفن الروائي، حكاية تتكرر كثيراً مع كل فتاة وأنثى على أرض مصر ولذلك لمست قلوب العديد من الفتيات ولكن لا يعني ذلك أنها عملاً أدبياً لا مثيل له، حكاية زوجة بسيطة تحيا حياة عادية كل همها أن ترضي زوجها صعب الإرضاء والذي يحقر منها في كل تصرف وقرار تتخذه ويقلل من شأنها دائماً مهما فعلت، وعلى الرغم من ذلك تتحمل في صمت وتستمر في حبه مهما فعل، حتى ترى خيانته أمام عينيها وتقرر الإنتقام منه دون مواجهته.

    ولأن رواية قيد الفراشة نشرت عام 2014 م واستغرقت الكاتبة شيرين سامي حوالي السنتين في كتابتها كما قالت في لقاءاتها حول روايتها فكان هذا التوقيت متزامناً مع زخم ثورة 25 يناير 2011 م، ويبدو أن هاجس ثورة يناير كان يحوم حول الكاتبة شيرين سامي عند كتابتها للرواية فآثرت توظيفها فيها، حيث تتداخل أحداث حياة الشخصية الرئيسية في رواية قيد الفراشة مع أحداث ثورة 25 يناير 2011 م وتقرر الإشتراك في الأحداث على غير رغبة زوجها مما يؤدي لإنفصالها عنه.

    تلتقي عالية في الميدان برجل آخر شخصيته مختلفة تماماً عن شخصية زوجها، يفك قيودها ويعلمها الطيران لتنطلق بحرية وتقع في حبه، لم أجد دافعاً قوياً لإقحام أحداث ثورة يناير في رواية قيد الفراشة للكاتبة شيرين سامي، كان يمكن للأحداث أن تسير بسلاسة دون التطرق لثورة يناير، وكان يمكن لعالية (الشخصية الرئيسية) أن تلتقي بحسن في أي مكان آخر وتفتن بشخصيته تلك وتقع في حبه بشكل أو بآخر بعيداً عن الميدان، ولكن أحد القراء على موقع الجودريدز رأى الأمر رمزياً بأن عالية تمثل مصر وزوجها محمود المعارض للثورة يمثل النظام القديم وحسن الثوري الفوضوي يمثل الشباب الثوري، ومصر حائرة بينهم وربما من الأفضل أن يكون مستقبلها ليس بيد أحد منهم.

    إذا كانت الكاتبة شيرين سامي تقصد هذه الرمزية فربما يكون توظيف أحداث ثورة يناير في رواية قيد الفراشة مبرراً، أما إذا كانت رواية قيد الفراشة هي فقط رواية رومانسية إجتماعية تلقي الضوء على طبيعة العلاقات بين الرجل والمرأة في الحب والزواج في المجتمع المصري فلم يكن هناك من ضرورة لاستخدام ثورة يناير في الأحداث، حيث ساهم ذلك في تضخيم حجمها بدون داع فعدد صفحاتها يتخطى أربع مائة صفحة على الرغم من بساطة القصة والمضمون وعدم حاجته لتلك الضخامة.

     هناك العديد من التفاصيل في رواية قيد الفراشة التي كان بالإمكان حذفها بالإضافة إلى شخصيات كثيرة لم يكن لها من دور يذكر في الأحداث، على الرغم من وجود شخصيات هامة ومؤثرة كان لا بد من إلقاء الضوء عليها بشكل أكبر كوالد وأخ الشخصية الرئيسية، فلم يكن للأب دور سوى في بعض لقطات الفلاش باك على الرغم من وجوده في حياة عالية الحالية، وكذلك الأخ الذي لم يرد ذكره إلا لماماً في حديث جانبي بين عالية وأمها على الرغم من إقامتها في بيت أهلها منذ طلاقها، وحتى في ذكريات الفلاش باك لم يكن له من وجود في حياتها سوى مقارنتها الداخلية بين ما هو مسموح له وممنوع عنها.

    وأعتقد أن تلك الشخصيتين أهم مائة مرة من رامي صديق فرح مثلاً ومن نورا زميلة عالية القديمة في الدراسة ومن شخصيات عديدة لم يكن لها من دور جوهري في الأحداث إلا إطالة السرد وتضخيم حجم الرواية، وفي خضم بحثي عن الكاتبة شيرين سامي والتعرف عليها وجدت مدونتها القديمة "حدوتة مصرية" وقرأت عدة تدوينات عليها، وجدت أن ما كتبته من خواطر كان رائعاً كما كان هناك العديد من القصص القصيرة الممتازة، وقد اكتشفت أن العديد من المواقف والأحداث وحتى الرسائل والخواطر التي تضمنتها رواية قيد الفراشة للكاتبة شيرين سامي كانت قد وضعتها سابقاً على مدونتها حدوتة مصرية كقصص قصيرة أو خواطر منفصلة.

     والحق أنها كانت أفضل هكذا من إدماجها في رواية قيد الفراشة، الرواية بشكل عام كأول عمل روائي للكاتبة شيرين سامي تعد بداية لا بأس بها، وأرجو أن يكون أسلوبها قد نضج فيما تلى ذلك من أعمال، أكثر ما أعجبني في رواية قيد الفراشة كان الإستهلال الذي بدأت به الكاتبة شيرين سامي الرواية، والنهاية التي اختارتها أيضاً كانت موفقة في قرار عالية أن تركز على حياتها الشخصية والمهنية بعيداً عن وجود رجل في حياتها ليكون هو محور الحياة، وربما عندما تصل لمرحلة النضج الكامل يمكنها اتخاذ القرار باختيار من يستحق أن يشاركها تلك الحياة التي اختارتها لا من يفرض عليها نوع الحياة الذي يبغيه هو، كما كان من المناسب أن تترك رجليها يتخبطوا في أحلامهم ويمنوا أنفسهم بأن كل منهما له معها نصيب.

   أهدت الكاتبة شيرين سامي روايتها قيد الفراشة لزوجها لوقوفه إلى جوارها وتحمله للحظات جنونها، وسرني ذلك إذ ظننت أنها قد وجدت أحد أولئك النادرين في الوجود من الرجال الذين يتفهمون زوجاتهم ويساندونهم، ولكن لم يدم سروري ذلك حين قرأت بعض مقالاتها الحديثة على موقع نون، حيث وجدت بعض الشذرات عن حياتها الخاصة التي تشي بإنفصالها وأنه كان كغيره من الرجال لا يقدر رغبات زوجته البسيطة في لحظات من الهروب إلى عالم مجنون يضمها هي ومن تحب فقط بعيداً عن ترهات الواقع، وأنها كانت احدى شخصياتها التي ضمنتها في رواية قيد الفراشة، وتألمت لأجلها ولأجلنا جميعاً.

تعليقات