هل يستمر العمل بدون عمال؟!

نماذج من الحرف المصرية القديمة في المتحف المصري
نماذج من الحرف المصرية القديمة في المتحف المصري




   يوافق اليوم ككل عام عيد العمال في الأول من مايو، وعلى الرغم من اعتقادي الراسخ بأن العامل هو كل من يعمل لخدمة وطنه وفي سبيل الحصول على لقمة عيشه مهما علا شأنه إلا أن المتعارف عليه أن هذا اليوم مخصص للعمال البسطاء، ربما يكون ذلك عرفاناً وتقديراً لجهودهم التي هي اللبنة الأساسية للدولة في كل المجالات، فنحن لا نستغنى أبداً عن ذلك العامل البسيط في أي مجال من حياتنا ورغم ذلك تظل فئة العمال هي أكثر الفئات تهميشاً في المجتمع.
  فأغلب العمال رواتبهم بالكاد تكفيهم وتسد رمقهم، بالكاد يستطيعون توفير المتطلبات الأساسية لأسرهم من طعام ولباس وتعليم، بل ربما لا تسعفهم الإمكانيات المادية لمواصلة تعليم أبناءهم على أقل تقدير، وفي النهاية عليهم أيضاً تحمل نظرات الكبر والاحتقار في عيون الناس، وكأنهم خلقوا من طينة غير تلك التي خلق منها الآخرين، ربما لذلك كان لزاماً علينا تحديد يوم نتذكر فيه هؤلاء العمال البسطاء ونتذكر أفضالهم علينا لنرد لهم ولو جزءاً قليلاً منها ونرد لهم اعتبارهم وكرامتهم.
    تاريخياً تم تحديد هذا اليوم- الأول من مايو- بشكل خاص للاحتفال بعيد العمال لتوافقه مع خروج العديد من العمال في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية عام 1886م في ما أطلق عليه حركة الثماني ساعات، مطالبين بحد أقصى من ساعات العمل خلال اليوم الواحد بحيث لا تزيد عن ثماني ساعات في اليوم وكان شعارهم الذي رفعوه في حركتهم: "ثماني ساعات عمل – ثماني ساعات راحة – ثماني ساعات نوم"، وحظت مصر أيضاً بتراث عمالي مستقل للاحتفال بعيد العمال.
   ففي عام 1924م نظم عمال الإسكندرية احتفالاً كبيراً في مقر الاتحاد العام لنقابات العمال وانطلقوا منه في مظاهرة ضخمة وصلت إلى سينما "باريتيه" حيث عقدوا مؤتمراً عمالياً ألقيت فيه الخطب، ورغم السياسات القمعية للحكومات المصرية وقتها ومحاولاتها الدائمة لمنع المسيرات والمؤتمرات العمالية في أول مايو، استمرت الحركة النقابية العمالية المصرية تحتفل بعيد العمال وتنظم المسيرات والمؤتمرات طوال الثلاثينات والأربعينات، ولكن بعد ثورة 23 يوليو 1952م تم تأميم الحركة العمالية المصرية وأخذ الاحتفال بعيد العمال شكلاً رسمياً.
    وفي عام 1964م أصبح الأول من مايو عطلة رسمية يلقي فيها رئيس الجمهورية خطاباً سنوياً سياسياً أمام قيادات العمال، وعلى الرغم من هذا التكريم على المستوى السياسي والدولي الذي حظت به طبقة العمال إلا أن الكثيرين لا زالوا ينظرون لهم نظرة احتقار ويعتبرونهم طبقة دنيا في المجتمع لا ترقى لأن تكون معهم على قدم المساواة، فمتى نرتقي في تفكيرنا وتعاملنا ونعلم أن أكرمنا عند الله أتقانا وأن العمل أياً كان نوعه فهو يشرف صاحبه ولا يحط من قيمته أبداً.
   وحقيقة فلن تستطيع أي دولة أو مجتمع مواصلة الحياة ليوم واحد لو اختفى العمال منها لأي سبب، سواء كان بإضرابهم عن العمل اعتراضاً على المعاملة السيئة التي يتعرضون لها على الدوام أو بإحجام الشباب عن هذه الأعمال حتى لا يواجهون تلك النظرة الدونية من الآخرين، وحينما لن نجد من يقوم بتلك الأعمال سنكون نحن الخاسرين فلا توجد دولة واحدة في العالم في غنى عن العامل المخلص بها، ولعل أكبر دليل على ذلك ما تواجهه الدول والأعمال الكبرى حالياً مع أزمة كورونا والحجر الصحي التابع لها.
   ففي ظل الأزمة الحالية قضى الإجراء الإحترازي لمنع انتشار الفيروس ببقاء البشر في بيوتهم مما أرغم العديد من العمال بالبقاء في المنازل وتوقف العمل؛ فكان الكساد الاقتصادي الذي خرجت العديد من الدول والحكومات ورجال الأعمال الكبار يشكون ويصرخون من وطأته، ولكن للأسف رغم كل ذلك إلا أنهم لم يقدروا هذا العامل الذي توقفت لغيابه أعمالهم فتوقفوا ليتأملوا حاله ويعترفون بجميله ويسعون لتعويضه بل إنهم يرغبون في إلقاءه في أتون الوباء لتدور عجلة أعمالهم ويحصدون هم من ورائه الملايين يكنزونها من عرقه وجهده دون النظر لحاله، فرفقاً بهؤلاء العمال حكومة وشعباً!

تعليقات