دراسات في الجغرافيا السياسية المعاصرة ومشكلة نهر النيل وسد النهضة

قراءة في كتاب دراسات في الجغرافيا السياسية المعاصرة للدكتور أمين محمود عبد الله
قراءة في كتاب دراسات في الجغرافيا السياسية المعاصرة للدكتور أمين محمود عبد الله



     كتاب "دراسات في الجغرافيا السياسية المعاصرة" للدكتور أمين محمود عبد الله كان أحد الكتب المقررة علي أثناء دراستي الجامعية بقسم الإعلام في كلية الآداب جامعة أسيوط، وكما يقال عن المناهج الدراسية فوقتها لم يكن لدي متسع من الوقت للتفكر وقراءة محتوى الكتاب على مهل، بل جل اهتمامي كان منصباً على حفظ المهم مما هو مقرر علينا لصبه صباً في ورقة الإجابة يوم الامتحان لنيل أكبر قدر ممكن من الدرجات والتي قد تأتي في النهاية بالحظ وحده وفقاً لمزاج الدكتور المصحح.
    في هذه الأيام الكبيسة التي نقضيها في العزل المنزلي الإجباري لظروف انتشار وباء الكورونا العالمي أصبح هناك متسع من الوقت لإعادة القراءة لكثير من الكتب وقراءة الجديد منها والتفكر في كثير من الأمور وإعادة ترتيب العديد من الأشياء، ومن ضمن الكتب التي أعدت قرائتها في تلك الأيام كان كتاب دراسات في الجغرافيا السياسية المعاصرة للدكتور أمين محمود عبد الله، والذي على الرغم من دراستي له مسبقاً كما ذكرت إلا أنني فوجئت بالكثير من المعلومات والحقائق التي كانت غائبة عني ولم أعيها من قبل!
   ينقسم كتاب دراسات في الجغرافيا السياسية المعاصرة للدكتور أمين محمود عبد الله إلى عشرة فصول بالإضافة إلى الفصل التمهيدي الذي يتناول فيه التمهيد لمفهوم وأهمية علم الجغرافيا السياسية وعلاقته بالعلوم الأخرى وتطوره على مر العصور، ثم يتدرج الكتاب في توضيح تطبيقات علم الجغرافيا السياسية على أرض الواقع بدءاً بشرح الصورة السياسية للعالم المعاصر وأسباب الوصول إلى هذه الصورة والمنظمات الدولية الحالية المسئولة عن الحفاظ على ثبات تلك الصورة في العصر الراهن، ثم يتطرق إلى مراحل نشأة الدول وملامح الجغرافيا السياسية الداخلية المميزة لكل دولة سواء التركيب الطبيعي لها أو العوامل السكانية والموارد الاقتصادية وأهمية الموارد المائية المختلفة من بحار وأنهار وبحيرات للدولة وتأثيرها على الجغرافيا السياسية للعالم أجمع.
   وفي الفصل الأخير من كتاب دراسات في الجغرافيا السياسية المعاصرة ركز الدكتور أمين محمود عبد الله على إبراز بعض مشكلات الجغرافيا السياسية المعاصرة، وهي: مشكلة التوزيع السكاني والأقليات في شبه جزيرة البلقان، ومشكلة الباسك في أسبانيا، ومشكلة كشمير بين الهند وباكستان والصين، والحركات الإنفصالية والطائفية في إندونيسيا، ومشكلة الأكراد في سوريا والعراق وإيران وتركيا، ومشكلة التاميل في سريلانكا، وعلى الرغم من أهمية كل الموضوعات التي وردت في الكتاب تقريباً إلا إن أكثر ما لفت نظري وشد انتباهي بشكل خاص كانت الدراسة عن نهر النيل في إطار الفصل السابع الذي تناول الجغرافيا السياسية للأنهار.
   ولأهمية هذه الدراسة في كتاب دراسات في الجغرافيا السياسية المعاصرة للدكتور أمين محمود عبد الله خاصة مع أحداث سد النهضة الأخيرة واحتمال تعرض مصر للجفاف جراء بناء هذا السد؛ فإني آثرت أن أنشر أجزاء كاملة من هذه الدراسة ربما تساهم في توضيح الأمر للكثيرين:
   "يشترك في حوض النيل عشر دول أفريقية هي: مصر والسودان والكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى وتنزانيا وكينيا وبوروندي ورواندا وأوغندا، والتي تختلف درجة اعتماد كل منهم على النهر عن الأخرى، فهو بالنسبة لمصر والسودان يكاد يكون مصدر المياه الوحيد لهما، أما بالنسبة لباقي دول حوض النيل فهو مصدر ثانوي لدرجة أن أياً منهم لم تدخله في حسابها كمصدر للمياه، فقد كان جل اعتماد هذه الدول خلال تاريخها على الزراعة المطرية أو الأنهار الأخرى التي تخترقها.
   وحتى أوائل القرن الماضي كان نهر النيل مصرياً خالصاً، ولكن في الستينيات عند بدء إنشاء السد العالي بالإشتراك مع الإتحاد السوفيتي بدأت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام مياه النيل للضغط على مصر؛ فأوفدت بعثة من خبرائها لدراسة منابع النيل في أثيوبيا واقتراح المشروعات المناسبة للاستفادة من هذه المنابع، ولم تكن أثيوبيا في حاجة إلى بناء السدود على النيل بغرض الزراعة، بالإضافة إلى أن انحدار النهر الشديد واندفاع مياهه وكثرة الرواسب يجعل بناء السدود عليه صعباً للغاية واستخدامها في الزراعة باهظ التكاليف.
    ولكن الأمر لم يكن هدفه في الحقيقة خدمة أثيوبيا بل إيصال رسالة إلى مصر أن الإضرار بها سهل وحياتها مرهونة بمن يحكمون منابع النيل، ولما كانت مصر والسودان قد اقتسمتا مياه النيل في اتفاقية عام 1959م في غياب أثيوبيا؛ فإن الولايات المتحدة الأمريكية رأت أن الأمر يتطلب إصلاح الوضع وإدخال إثيوبيا شريك في الاتفاقية، على الرغم من أن إثيوبيا تعتبر من أغنى الدول الأفريقية في المياه بما يمكن وصفها بالنافورة، ولا تمثل منابع النيل فيها سوى نصف مواردها من المياه، أما النصف الآخر فيتمثل في الأمطار والمياه الجوفية والأنهار الجوفية وأنهار أخرى كثيرة.
   ومع ذلك لم يوجه الخبراء الأمريكيون جهودهم إلى هذه الأنهار أو تعظيم عائد الزراعة المطرية أو المعتمدة على المياه الجوفية، وإنما يركزون على منابع النيل الأثيوبية للإضرار بمصر، ومنذ أن قامت دولة إسرائيل عام 1948م على أراضي فلسطين المغتصبة وهي تحاول بمختلف الأساليب وسبل الضغط السياسية أن تحصل على نصيب من مياه النيل، ففي عام 1974م وضع مهندس إسرائيلي ضمن الوفد الفني المصاحب للوفد الإسرائيلي في مفاوضات كامب ديفيد مشروعاً لنقل مياه النيل لإسرائيل وقوبل المشروع بالرفض القاطع من الوفد المصري.
  وعندما فشلت محاولات الكيان الصهيوني الدبلوماسية في الحصول على مياه النيل بموافقة مصر بدأت في استخدام سبل الضغط الملتوية وذلك بالتسلل إلى وسط أفريقيا حيث منابع النيل وإقامة علاقات مع دولها لتتحكم في مياه النيل وتجبر مصر على تزويدها بها، وكذلك بإقناع الحكومة الأثيوبية إقامة مشروعات على منابع النيل تؤثر على حصة مصر من المياه (سد النهضة)، وأيضاً فإن الكيان الصهيوني هو المسئول عن إثارة القلاقل في جنوب السودان ومساعدة المتمردين بهدف التحكم في أعالي النيل (وهو ما أدى إلى تقسيم السودان مؤخراً بين الشمال والجنوب)".

تعليقات