قراءة في كتاب المرأة والإعلام في عالم متغير للدكتورة ناهد رمزي





     صادف قراءتي لكتاب المرأة والإعلام الإحتفال بيوم المرأة العالمي، هو كتاب أكاديمي في المقام الأول موجه للدارسين والباحثين والعاملين في مجال الإعلام والإعلاميين وواضعي السياسات الإعلامية، لذا قد يبدو مملاً للقارئ العادي خاصة وأن الكاتبة تعتمد فيه على أسلوب الدراسات والأبحاث العلمية مع توضيح طريقة تنفيذها وتحليل البيانات وما إلى ذلك مما يعسر على فهم القارئ غير المتخصص، كما إنه كتاب قديم نسبياً حيث كتب في بداية الألفية الحالية ويعتمد على دراسات وإحصائيات تمت في عقد التسعينات وما قبلها.
    وعلى الرغم من قدم الكتاب إلا إن للأسف أوضاع المرأة والإعلام لم تتغير كثيراً في عالمنا العربي حالياً عما كانت عليه وقت صدور الكتاب، وقد قسمت الكاتبة ناهد رمزي، وهي أكاديمية في مجال الإعلام، كتاب المرأة والإعلام في عالم متغير إلى خمسة فصول، تناول الفصل الأول وضع المرأة والإعلام في بلادنا العربية وبالأخص مصر في الوقت الحالي -والذي هو وقت صدور الكتاب- فتناولت مواضيع مثل: الإعلام أحادي التوجه والذي يتم توجيهه من الحكومات للشعوب فقط دون الحصول على رد فعل أو السماح بمصادر أخرى للمعلومات.
    وأيضاً حرية التعبير والقواعد المنظمة لها وأوضاع المرأة في المجتمعات العربية من الحالة التعليمية وارتفاع نسب الأمية بين النساء وتسربهن من التعليم في مراحل مبكرة وكذلك ارتفاع معدلات البطالة بينهن وانحصار عمل المرأة في كثير من المجتمعات في الأعمال المتدنية أو القيام بالخدمات التعليمية والصحية، بالإضافة إلى تدهور الحالة الصحية للمرأة في كثير من المجتمعات وعدم الإهتمام بصحتهن الإنجابية والكشف الدوري لهن، أما الفصل الثاني فكان عبارة عن دراسة تحليلية لصورة المرأة والإعلام في قصص الصحافة النسائية.
    وقد خلصت تلك الدراسة إلى أن الصورة المقدمة للمرأة في الصحافة النسائية هي أن مكانها هو البيت وأن اهتماماتها تنحصر في الحياة الأسرية والعاطفية وخروج المرأة للعمل إنما يكون ناتجاً للحاجة المادية أو لتعويض الفشل في الحياة الأسرية ولا ينتج عن إحساس بضرورة العمل في ذاته وأهميته بل إن خروجها للعمل ينتج عنه تدهور العلاقة مع الزوج وفشل في رعاية الأبناء وتدهور للحياة الأسرية، وحتى عند تصوير المرأة العصرية المستقلة في تلك القصص الصحفية ينحصر تصويرها في إطار الدفاع عن الحب واختيار شريك الحياة ولا تصور في إطار الدفاع عن قضايا ومواقف عامة في المجتمع وهي دائماً في حاجة لنصيحة ومشورة الرجل ولا تستطيع اتخاذ قراراً سليماً بدونه!
    وهذا يعني أن الصحافة النسائية لا تعبر عن واقع المرأة المصرية بالفعل إذ أنها لا تجسد أدوار المرأة العاملة الناجحة والفتاة المتفوقة في دراستها وكافة أدوار المرأة الأخرى خارج نطاق الحياة الأسرية وإنما هي تعبر عن وجهة نظر ومعتقدات الكتاب الصحفيين تجاه المرأة والإعلام والتي يرغبون في تصديرها للمجتمع، أما الفصل الثالث فكان دراسة مقارنة بين صورتي الرجل والمرأة في الإعلام من خلال الدراما التلفزيونية بتحليل حلقات مسلسل "وجوه للحب" وسهرة تلفزيونية بعنوان "إلا إبنتي".
   وقد خلصت الدراسة إلى كون المرأة تقدم في أعمال الدراما بأنها دوماً في حاجة إلى سند وحماية الرجل الذي دوماً ما يكون قادراً وحده على حل كل المشكلات ومواجهة أصعب المواقف دون تدخل من أحد، وهو صاحب القرار النهائي فيما يتعلق بشئون الأسرة فيما ينحصر دور المرأة في المهام المنزلية وتربية الأطفال ولا تتخذ القرارات إلا في روتينات الحياة والأمور غير ذات البال، وعندما تتخذ القرارات المصيرية فقد صورت تلك القرارات بكونها متهورة واندفاعية تؤدي إلى تدمير الأسرة والحياة الزوجية.
    وفي حين يبرز العمل كقيمة بارزة في حياة الرجل فإنه بالنسبة للمرأة مجرد تسلية لقتل وقت الفراغ في انتظار الزواج أو عند الحاجة الإقتصادية للدخل العائد منه وهي دائماً على استعداد للتضحية بعملها من أجل زوجها وحياتها الأسرية، وقد صورت على أنها تدافع عن تبعيتها للرجل كدليل على أنوثتها، وهذا التوجه يدل على أنه برغم وجود عناصر نسائية في موقع صناعة القرار الإعلامي إلا أنهن لا يملكن حرية التعبير عن أنفسهن حيث يتم قمعهن أو يضطررن لمواكبة التيار للحصول على الرضا العام وزيادة فرص الترقي وتجنب الصدامات.
   كما يدل ذلك أيضاً على عدم وجود سياسة إعلامية واضحة لتحقيق المساواة في العرض الإعلامي بين صورتي الرجل والمرأة في الإعلام، وهذا ما تناوله الفصل الرابع عن المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام في تغيير واقع المرأة وذلك بإعادة النظر في المواد الإعلامية التي تزيد الفجوة بين الرجال والنساء وتعمل على التفرقة النوعية بينهما وإغفال المساهمات النسائية الرائدة في كافة المجالات، أما الفصل الخامس فقد دار حول صياغة سياسات جديدة للنهوض بالمرأة والإعلام إجتماعياً وتوعيتها بحقوقها الاجتماعية والقانونية.
    ومن المؤسف له أن برغم مرور تسعة عشر عاماً على صدور كتاب "المرأة والإعلام في عالم متغير" إلا إن العالم العربي ومصر لم تتغير فلا زالت أوضاع المرأة والإعلام كما هي منذ ظهور الإعلام ذاته، لازالت المرأة تصور على أنها ربة بيت جل ما يشغلها المظاهر والماديات وهذا أقصى طموحها وأن العمل ما هو إلا فرصة للإيقاع بالعريس أو لتحسين الدخل المادي وليس تحقيقاً لطموح أو إثباتاً لذات أو تحقيقاً لهدف أسمى، وبإمكانها التخلي عنه بسهولة إذا ما طلب العريس المستقبلي ذلك تلبية لرغبته وإرضاءاً لذكوريته.
   ولا أدري حقيقة هل المرأة تصور في الإعلام بهذه الطريقة نظراً لوجود هذه النماذج فعلاً في المجتمع أم أن تصوير الإعلام للمرأة بهذه الطريقة هو الذي يرسخ لفكرة استمرار وجود هذه النماذج في الواقع وتأصيلها واستحسانها من المجتمع؟!

تعليقات