قراءة في سنوات التكوين لحياة الكاتب يعقوب الشاروني

مع الكاتب يعقوب الشاروني في المجلس الأعلى للثقافة
مع الكاتب يعقوب الشاروني في المجلس الأعلى للثقافة



    حصلت على كتاب سنوات التكوين من الكاتب الكبير يعقوب الشاروني في الإحتفال بعيد مولده الثامن والثمانين، وهو على هيئة مسودة مطبوعة على الكمبيوتر لذا لا أعرف إن كان متوفراً فعلاً ككتاب في المكتبات أم أنه تحت الطبع أو مجرد مسودة لا زالت قيد التحضير، ولكن ما أنا على ثقة منه أنه يصلح ككتاب سيرة ذاتية بامتياز مفيد للقراء والكتاب على حد سواء لمعرفة الجوانب الخفية في إبداع الكاتب الكبير يعقوب الشاروني ودور نشأته في سنوات التكوين للتأثير على شخصيته وكتاباته، وكيف دمج مواقف وظروف حياته المختلفة ليخرج منها بأدب راق سواء للكبار أو الأطفال حتى أصبح أفضل كاتب أطفال على مستوى العالم.

سنوات التكوين في طفولة الكاتب يعقوب الشاروني:

    يبدأ كتاب سنوات التكوين بسنوات الطفولة المبكرة في حياة الكاتب يعقوب الشاروني حيث نشأ في بيت يحتوي مكتبة كبيرة لوالد هوايته الأولى هي القراءة مما جعله يقتدي به مخصصاً لنفسه دولاب خشبي في غرفته يطلق عليه "مكتبتي" وكانت أغلب الكتب التي يضعها فيه يشتريها بنفسه من سور الأزبكية الشهير، وقد كان متعلقاً بالكتب حتى قبل أن يتعلم القراءة حيث كان يجد في البيت بعض من كتب قصص الأطفال الإنجليزية بما تحتويه من رسوم كبيرة كان يمضي وقته في تأملها وتأليف قصص أطفال من خياله حولها.
    وفي بعض الأحيان كانت احدى أخواته الكبيرات تجلس في أوقات فراغها لتقرأ له قصص الأطفال مع إخوته الصغار، ولكنه لم يكن يكتفي بذلك وكان يتحرق شوقاً لليوم الذي يتمكن فيه من القراءة وحده دون انتظار تفرغ إحدى أخوته لتقرأ له، يذكرني في هذا الجزء بنفسي فهذا بالضبط ما كان يحدث لي مع أمي ومجلات الأطفال التي كانت تقرأها لي في طفولتي المبكرة، ومن عوامل سنوات التكوين التي يحكي عنها الكاتب يعقوب الشاروني في كتابة كانت جدته لأبيه التي عاشت معهم في البيت أثناء طفولته وكانت تقص عليه الكثير من الحكايات الشعبية المختلفة.
    ومن هذه الحكايات الشعبية استوحى الكاتب يعقوب الشاروني فيما بعد العديد من قصص الأطفال التي كتبها وصدرت ضمن سلسلة المكتبة الخضراء عن دار المعارف المصرية، كما إن زياراته المتكررة في طفولته لقرية والديه شارونة في محافظة المنيا في صعيد مصر كان لها تأثيراً كبيراً على سنوات التكوين لأدبه وإبداعه الخاص، فقد كتب أفضل خمس قصص أطفال له تدور أحداثها في تلك القرية وهم: سر الاختفاء العجيب- مغامرة البطل منصور- عفاريت نصف الليل- مفاجأة الحفل الأخير- مغامرة زهرة مع الشجرة.

دور المدرسة في سنوات التكوين للكاتب يعقوب الشاروني:

    أما عن دور المدرسة في سنوات التكوين لأدب قصص الأطفال للكاتب يعقوب الشاروني فقد ذكر أن الكتب التي قرأها في مكتبة مدرسته الإبتدائية كان لها أبلغ الأثر على تكوينه الأدبي والنفسي وخص بالذكر كتاب السيرة الذاتية لحياة مدام كوري الحاصلة على جائزة نوبل لإكتشافها الراديوم وكتبته ابنتها وترجمه للعربية الأديب أحمد الصاوي محمد مما جعل الكتاب يحظى بحس أدبي روائي كان له عميق الأثر في نفس الطفل يعقوب الشاروني بالإضافة إلى كتاب حكايات من شكسبير الذي فتح له الباب واسعاً على الأدب والمسرح ووثق من معرفته وفهمه للكتابة الأدبية وبناء الشخصيات ودور الحوار في الكشف عن خفايا الشخصيات وخصائصها.
     ويذكر الكاتب يعقوب الشاروني أن بدايته في عالم تأليف الحكايات وقصص الأطفال كانت برواية قصص وحكايات من خياله على أصدقاء المدرسة ولما كان يجده منهم من تشجيع وشغف بما يرويه عليهم شعر بالرغبة في تدوين تلك الحكايات، وكان أول تشجيع قيم يناله عندما أمسك به أستاذه يكتب أثناء الحصة ولا ينتبه للدرس فجعله يقرأ عليه ما يكتبه وبدلاً من أن يعاقبه انبهر به وشجعه على مزيد من الكتابة، ولم يكن يكتفي فقط بالكتابة بل كان يحول القصص المقروءة إلى رسوم وصور سواء كان ذلك لقصصه الخاصة التي يكتبها أو لقصص الأطفال التي يقرؤها لكتاب مختلفين.

احتراف الكاتب يعقوب الشاروني العمل الأدبي والثقافي:

    وكان تشجيعه الثاني الذي كان دافعاً له لاتخاذ قرار التفرغ التام للعمل الأدبي عندما حصل على جائزة الدولة الخاصة لكتابة رواية أو مسرحية عن انتصار الشعب المصري على الجيش الفرنسي بقيادة لويس التاسع في القرن الثالث عشر حيث تقدم بمسرحية بعنوان "أبطال بلدنا" فازت بالمركز الأول وكان في المركز الثاني الكاتب الشهير علي أحمد باكثير، وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يسلم الفائزين الجوائز بنفسه في حفل كبير حضره ما يزيد على نصف مليون شخص في مدينة المنصورة عام 1960.
    وكانت تلك الجائزة بمثابة تشجيع كبير للكاتب يعقوب الشاروني حيث توقف الرئيس جمال عبد الناصر قبل إلقاء كلمته ليسلم عليه ويسأله إذا ما كان قد حضر خطاباً لإلقائه بهذه المناسبة فرد بالإيجاب فقدمه الرئيس لإلقاء خطابه ووقف يصغي إليه وبعد انتهائه صفق له بحرارة فكانت هذه نقطة فاصلة في حياة الكاتب يعقوب الشاروني قرر معها التخلي عن العمل القانوني والتفرغ للأدب، ولم يكن الأمر بهذه السهولة فقد رفضت الهيئة القضائية مراراً وتكراراً تفرغه للعمل الأدبي حتى تقدم وزير الثقافة ثروت عكاشة لوزارة العدل بطلب انتداب للكاتب يعقوب الشاروني للإشراف على قصر ثقافة بني سويف في ضوء التجربة الجديدة التي كانت تسمى بالثقافة الجماهيرية وتحولت الآن للهيئة العامة لقصور الثقافة.

تحول الكاتب يعقوب الشاروني لأدب الطفل:

    أما عن تخصصه للكتابة في أدب الطفل فيحكي الكاتب يعقوب الشاروني أن ذلك جاء بعد احتكاكه بالأطفال في قصر ثقافة بني سويف حيث كان يخصص لهم يوم الجمعة من كل إسبوع حفلاً للأطفال يحكي لهم فيه حكايات وقصص أطفال من مختلف الثقافات ويعرض عليهم الصور بالبروجكتور، وكان لهذا الحفل أبلغ التأثير في نفوس الأطفال فكانوا عندما يرونه بالصدفة في الشارع يهرعون للسلام عليه والإحتفاء به؛ فاكتشف بذلك مدى تأثيره على الأطفال وقدرته على التواصل معهم من خلال الحكايات وقصص الأطفال وحاجتهم لمن يهتم بهم اهتماماً حقيقياً.
   وبناءاً على ذلك فقد قرر الكاتب يعقوب الشاروني التفرغ لكتابة أدب الطفل، وبذا يصرح دائماً أن الأطفال هم من اختاروه للكتابة لهم وليس هو من اختار كتابة أدب الأطفال، وقد تنوعت مشاركاته في أدب الأطفال في مختلف الإصدارات والمجالات فقد أصدر سلسلة من أربع قصص أطفال طويلة كملحق لمجلة صباح الخير بعنوان حكايات صباح الخير بالإضافة إلى مشاركاته في سلسلة المكتبة الخضراء الصادرة عن دار المعارف المصرية والتي وصلت حتى الآن إلى 27 رواية قصيرة في أدب الطفل، كما نشر قصص أطفال مختلفة في مجلات الأطفال كمجلة سمير وعموده الذي استمر ثلاثين عاماً في جريدة الأهرام المصرية بعنوان لطفلك.
   وقد نال الكاتب يعقوب الشاروني العديد من الجوائز والتكريمات وشهادات التقدير على مدى مشواره الأدبي الطويل الذي جاوز الستين عاماً حتى أصبح من أفضل من يكتبون للأطفال على مستوى العالم وقد نال تكريماً بهذا الشأن في المؤتمر السنوي للمجلس العالمي لكتب الأطفال عام 2016، ولازالت رحلة عطاءه مستمرة فالرجل لا يكل ولا يمل في رحلته لتنمية الطفل والارتقاء بأدبه وثقافته على كافة المستويات سواء بالكتابة له أو عنه.

تعليقات