قراءة في كتاب العالم الإسلامي المعاصر للدكتور جمال حمدان

قراءتي لكتاب العالم الإسلامي المعاصر للدكتور جمال حمدان



     هو كتاب صغير الحجم حصلت عليه ضمن مجموعة كتب من أحد أقاربي كان بصدد التخلص من كتبه القديمة، وهذه النسخة من كتاب العالم الإسلامي المعاصر للدكتور جمال حمدان هي من إصدارات كتاب الهلال بتاريخ شهر أغسطس عام 1993م، وهو أول لقاء لي مع الدكتور جمال حمدان والذي كنت أتشوق لقراءة موسوعته في شخصية مصر ولكن لم يحالفني الحظ بعد، ويقع كتاب العالم الإسلامي المعاصر في هذه النسخة من أربع فصول ملحقة بدراسة تحليلية في آخره عن مضمون فصول الكتاب لدكتور يدعى عمر فاروق.    كنت أتطلع لقراءة الكتاب ظناً مني أنه يدور حول تحليل وضع العالم الإسلامي المعاصر وكيفية النهوض به من كبوته ليلحق بركب الحضارة، ولكني صدمت حين بدأت في مطالعة الكتاب حيث فوجئت به مجرد احصائيات عددية عن عدد المسلمين في العالم وإثبات أن ذلك يدل على تفوق الإسلام وميزة له وكأن رسول الإسلام نفسه لم يخبر يوماً بأنها كثرة كغثاء السيل، كما لم يخلو ذلك أيضاً من بعض الإدعاءات التي لا أصل لها بل ومنها ما هو معروف عدم صحته بالجملة.
   وذلك كالإدعاء بأن "الإسلام ينفرد بين الأديان جميعاً بأنه لم يعرف أي ارتداد عقائدي بمعنى التحول عنه إلى غيره"، فمنذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وإلى يومنا هذا هناك الكثيرين ممن يرتدون عن الإسلام سواء لاعتناق غيره من الأديان أو للاتجاه إلى الإلحاد التام وإنكار وجود إله للكون، وعلى هذا المنوال ينسج افتراضات عديدة في مجال الكثرة العددية ويكافح لأجلها وكأن هذه نقطة الخلاف الكونية للإسلام التي لو أثبتها لساد العالم، وعلى هذا الأساس تدور الفصول الثلاثة من الكتاب حول جغرافية الإسلام ومورفولوجية العالم الإسلامي وخريطة الإسلام السياسية.
    فكأن الدكتور جمال حمدان يسعى خلال ذلك إلى تقسيم العالم إلى جزئين: عالم إسلامي وعالم مسيحي عليهما أن يتناحرا ليفرض كل منهما قوته على الآخر، ولم أشعر في كل هذا إلا نظرة عنصرية للأمر، فإذا كنت أرفض الكتابات الغربية التي تتناول النظرة إلى العالم بهذه الطريقة من وجهة نظرهم فبطبيعة الحال لا بد أن أرفض أيضاً الكتابات الشرقية أو الإسلامية التي تنظر للأمر بنفس الطريقة ولكن من الجانب الآخر، وإلا كنت مصابة بالإزدواجية والعنصرية في آن واحد.
  ولكن الفصل الرابع من الكتاب كان هو الفصل المنطقي الوحيد بعنوان "نظرية الوحدة الإسلامية" فقد دحض فكرة العودة إلى حكم الخلافة بمنطقها القديم إذ أنها لم تعد فكرة منطقية في عصرنا الحالي وقد أثبتت فشلها في العصور الماضية أيضاً، فبعد الخلفاء الراشدين الأربعة ومع توسع رقعة العالم الإسلامي أصبح من المستحيل تولي زمام الأمور في يد إنسان واحد، لذا توغل الفساد والقبلية والحكم العنصري في هذه الدول ولم يعد يربطها بالإسلام نفسه غير المسمى فقط.
    فإن قيام دولة واحدة تتسع لحكم كل هذه الدول سينشأ عنه العديد من الصراعات، فكل طائفة وقومية لن تسمح أن تكون تحت إمرة طائفة أخرى، وأيضاً حينها ماذا سيكون مصير المسلمين من مواطني الدول الأخرى؟ هل سيتم التخلي عنهم ولا ينظر لهم كمسلمين لأنهم ليسوا تحت لواء الدولة الإسلامية الكبرى؟! كما إن قيام دولة إسلامية على أساس المسمى الديني سيكون مسوغاً صريحاً بأحقية الكيان الصهيوني في إقامة دولته أيضاً على أساس المسمى الديني وإن اختلفت الأديان.
    والطريق الذي رأى الدكتور جمال حمدان أنه مناسباً لوحدة العالم الإسلامي هو تكوين اتحاد فعال بين دوله كالاتحاد الأوروبي لا مجرد واجهات تجمعية هشة كجامعة الدول العربية والاتحاد الإسلامي والتي لا تكون قراراتها ملزمة لأي دولة ويتم التعامل معها ومع رؤسائها على أنهم يخدمون مصالح حكام الدول لا العكس، وفي النهاية يتطرق الدكتور جمال حمدان إلى القضية الفلسطينية ويرى أن تحرير دولة فلسطين هو تحقيق وحدة العالم الإسلامي السياسية، فوحدة العالم الإسلامي السياسية لن تتحقق إلا بتحرير فلسطين.
   ويختتم كتاب العالم الإسلامي المعاصر في نسخته الصادرة عن دار الهلال بدراسة تحليلية للدكتور عمر فاروق، ومن المفترض أن تكون هذه الدراسة من أجل توضيح ما قد يغيب عن القارئ فهمه بسبب تخصص الموضوع مثلاً أو عدم توضيح بعض النقاط في الكتاب الأصلي، ولكن حقيقة الأمر أن الكتاب كان شديد الوضوح مقارنة بتلك الدراسة التي أسرفت وأوغلت في التخصص حتى يعسر على القارئ العادي فهمها.

تعليقات