كونداليني صحوة الروح ورواية الكاتبة ميرنا الهلباوي

 

كونداليني صحوة الروح ورواية الكاتبة ميرنا الهلباوي
كونداليني صحوة الروح ورواية الكاتبة ميرنا الهلباوي

 

    كونداليني صحوة الروح هي تقنية روحية في الثقافة الهندوسية للارتقاء بالوعي الروحي، والوصول إلى أبعاد أعلى في فهم الذات والعالم المحيط، توسع المدارك وتطور أسلوب الحياة بشكل عام، مما يجعل الفرد يتعامل مع ذاته ومجتمعه بقدر كبير من البصيرة والوعي والإدراك لكنه الأمور وليس بسطحية الوعي الجمعي المعتاد، ويتم الوصول إلى المراحل العليا منها عن طريق ممارسة اليوجا وتقنيات التأمل المختلفة، وقد استخدمت الكاتبة ميرنا الهلباوي هذه التقنيات في حبكة روايتها لتصحب القارئ من بداية الأمر لنهايته ومروراً بمراحل تطوره المختلفة.

علاقتي مع كونداليني صحوة الروح وإدراكي لها:

   وفي بداية معرفتي عن كونداليني صحوة الروح لم أعرفها بهذا الاسم؛ فهذا أمر تصل إليه بعد معرفة كبيرة، اللهم إلا إذا قرأته مصادفة في رواية مثلاً كعمل الكاتبة ميرنا الهلباوي هنا، ولكني لم أكن أعرفها أساساً في هذه المرحلة، وإنما من ارتباطي بالثقافة الهندية بشكل عام، وخوضي في المجالات والرياضات الروحية، أردت تعلم اليوجا، وبالفعل ذهبت إلى مكان لممارسة اليوجا، ولكنه كان يعتمد على الجزء الجسدي فقط، فأغلب المترددين على المكان لا يعون إطلاقاً أهمية اليوجا الروحية والنفسية وتمارين التأمل، هم يبحثون فقط عن مسكن سريع لآلامهم الجسدية ووجع عضلاتهم، دون التعمق خلف أسبابها.

   ولأن الزبون دائماً على حق، وهو من يدفع تكاليف المكان النهائية، كان يسير الأمر وفق رغبات الغالبية العظمى، ولكني لم أكن أكتفي بذلك، وذات مرة كنت وحدي مع المدربة؛ فتحدثت معها حول الأمر، وأن هذا لا يكفيني، وأنني أود معرفة وممارسة ما هو أكثر من ذلك، رشحت لي وقتها قراءة رواية الكاتبة ميرنا الهلباوي التي تتحدث عن كونداليني صحوة الروح وتشرحها بأسلوب مبسط، وضعتها على قائمة ترشيحات القراءة التي أنوي شرائها، ولكن لأن الكتب المملوكة لدي بالفعل ولم تقرأ بعد لا تعد ولا تحصى؛ فلم أجر عملية شراء قريبة.

   وخلال هذه المدة التي لم أشتر فيها الرواية لم أتوقف أيضاً عن القراءة المعلوماتية العامة عن اليوجا وممارسات كونداليني صحوة الروح على الإنترنت ومشاهدة الفيديوهات على اليوتيوب، وبالطبع عرفت الكثير والكثير عن الأمر، وبالصدفة أيضاً قرأت كتاب التجليات للأديب جمال الغيطاني خلال نفس الفترة، وأكاد أجزم أنه تعرض لتجربة كونداليني صحوة الروح وإن كانت من خلال الممارسات الصوفية الإسلامية لا عن طريق اليوجا الهندية، وإن كانت ممارسات الصوفية في أغلبها مقتبسة أساساً من الثقافة الهندية الهندوسية.

   وفيما بعد ربما بعد عامين من ترشيح المدربة لرواية الكاتبة ميرنا الهلباوي لي، كنت في أحد المكتبات لحضور حفل توقيع للكاتب العماني زهران القاسمي لروايته الحائزة على البوكر العربية تغريبة القافر، وبعد الحفل تجولت في المكان؛ فوقعت عيناي على الرواية وتذكرت ترشيحها من مدربة اليوجا، كنت سأعرض عن شراؤها نظراً لأنني في هذا الشهر اشتريت كتب عديدة بالإضافة إلى الكتب القديمة التي لا زالت لم تقرأ بعد، وأخبرت نفسي أنني ربما أشتريها في وقت لاحق بعد أن أنهي قراءة ما لدي بالفعل، ولكن اقتباس ما في أول صفحات الرواية شجعني على شراؤها.

تقييمي لرواية الكاتبة ميرنا الهلباوي :

    وبالعودة إلى ما سبق فإنني كنت أعرف الكثير بالفعل عن كونداليني صحوة الروح قبل قراءتي للرواية، وكذلك عن شاكرات الجسد؛ لذا فإن على الجانب المعرفي المعلوماتي لم تضف الرواية لي الكثير، ولكنها أدخلتني في أجواء تطبيق الأمر، في كيفية استخدام تنظيف الشاكرات في تفريغ جروح الطفولة والماضي لنتحرر منها، وليس فقط القراءة المعرفية الجافة، بشكل أو بآخر كلنا مررنا بمراحل مشابهة لحياة البطلة وإن اختلفت الظروف المحيطة من فقر وغنى أو اهتمام أسري أو عدمه وما إلى ذلك.

غلاف رواية كونداليني صحوة الروح
غلاف رواية كونداليني صحوة الروح


   ولكن للأسف أغلبنا نحمل جروحنا تلك في دواخلنا ونرفض الاعتراف بها أو بوجودها، وننكرها من الأساس بل نرى أنها أمر عادي وطبيعي ليس جرحاً ولا أثر له، وبالتالي نستنكر على من يرى حقيقته كجرح يؤثر على حاضره ومستقبله؛ فيحاول تنظيفه ومعالجته؛ لينهض من جديد بريئاً من جروح الماضي؛ فنتهمه بأنه شخص مرفه خال من الهموم والمشاكل الحقيقية؛ لذا يبحث عن معاناة وهمية ليصرخ بها، وهذا بالفعل ما حدث مع الكاتبة ميرنا الهلباوي والكثير من مراجعات القراء حول كونداليني صحوة الروح واستخدامها في الرواية.

    وأنا هنا لا أدعي أن الكاتبة ميرنا الهلباوي أتت بفتح في عالم الأدب لم يأتي به أحد من قبل، أو أنها من أعظم الأدباء الذين لا يشق لهم غبار، كما يحلو لمعجبيها أيضاً أن يصفوها؛ فهذا أمر مبالغ فيه بشدة ومنافي أيضاً للحقيقة، ولكنني أحاول أن أضع الأمور في نصابها، نحن هنا نتحدث عن فتاة كان عمرها سبعة وعشرين عاماً وقت إصدارها للرواية، وهي عملها الثاني، من غير المنطقي بتاتاً أن أقارنها بكبار وعظماء الأدب العربي والغربي.

    فمن الواضح أن الكاتبة ميرنا الهلباوي لا زالت تتلمس طريقها وترسم أسلوبها الأدبي الخاص بها، ومما قرأته هنا مع كونداليني صحوة الروح فهذا يوضح بشدة أنها تسير على الطريق الصحيح.

الرد على بعض الانتقادات من وجهة نظري:

   ومن يأخذ على الكاتبة ميرنا الهلباوي أنها تكتب عن طبقة الأغنياء التي تنتمي إليها ولا تعبر عن السواد الأعظم من الشعب الذي لا يحيا بنفس النمط، لا يسعني إلا أن أتساءل إذا كان كل الكتاب أياً كانت طبقتهم الاجتماعية الخاصة مطالبين أن يكتبوا عن الطبقة المتوسطة أو الدنيا؛ ليثبتوا أنهم قادرين على الكتابة؛ فمن سيكتب عن الطبقة الغنية؟ أم هل من المفترض أن هذه الطبقة تسقط من حسابات الفن والأدب ولا يعبر عنها أحد لمجرد أنهم أغنياء؟ أم هل من المفترض أن يكتب الفقير عن الغني والغني عن الفقير ليثبت كل منهما أنه يجيد الكتابة؟!

   أعتقد أنه لأمر طبيعي جداً أن يكتب كل كاتب عما يعرفه ويعيشه، وأعتقد أن هذا هو اللب الأساسي من الكتابة، لا أعرف لماذا يميل بعض الناس إلى الفذلكة الفارغة في أن يكتب الكاتب عن أشياء بعيدة كل البعد عنه ولم يعشها لمجرد أن يرضي أذواق من عاشوها؟! ويذكرني هذا بسؤال تم طرحه علي في مناقشة أول أعمالي مجموعتي القصصية خضار الروح، عن لماذا أكتب عن المرأة؟ وأن عليّ الابتعاد عن المواضيع التي تخص المرأة وخوض مجالات أخرى؛ لأثبت أنني كاتبة مقتدرة.

   وفي الحقيقة كان السؤال غريباً جداً بالنسبة لي، فإذا كنت ككاتبة امرأة مطالبة بالتوقف عن الكتابة عن المرأة حتى لا أتهم في قدراتي الإبداعية، والبحث عن أي مواضيع أخرى؛ فمن سيكتب عن المرأة؟ الرجل؟! وماذا يعرف هو عن حقيقة المرأة ومشاعرها وما تعيشه فعلاً ولن تحكيه له أبداً؟! لا أعلم لماذا يرغب بعض البشر في التنكر لذواتهم بطريقة مريبة كتلك، بينما الشيء البديهي أن الكاتب يكتب عما يعرفه لا عما يريد القارئ قراءته، وهذا يأخذنا إلى النقطة الأخرى وهي استنكار العديد من القراء على موقع الجودريدز في مراجعاتهم أن الكاتبة ميرنا الهلباوي تكتب أعمالها استنباطاً من حياتها الشخصية.

    قبل أن أقرأ رواية الكاتبة ميرنا الهلباوي حول كونداليني صحوة الروح لم أكن أعرفها بتاتاً ولا أعرف أي شيء عن حياتها الشخصية، وبعد أن أنهيت قراءة الرواية بحثت عنها على جوجل، ومما قرأته عنها أستطيع تلمس تشابه كبير بالفعل بينها وبين بطلة الرواية، وربما تكون مرت بالفعل بتجربة كونداليني صحوة الروح واستنبطت الرواية من تجربتها الشخصية، وبالعودة إلى فكرة استنكار القراء للأمر لا أستطيع أيضاً أن أفهم وجهة نظرهم؛ فأمر طبيعي جداً أن يستنبط الكاتب من حياته الشخصية أفكاراً وشخصيات لأعماله.

   ولمن لا يعرف فإن أهم أديب مصري وعربي قاطبة نجيب محفوظ كان يرى أنه ليس بحاجة لكتابة سيرته الذاتية؛ لأنه وضع أغلبها بين صفحات أعماله، وفي العام الماضي حازت الأديبة الفرنسية آني إرنو جائزة نوبل في الأدب أيضاً لاعتمادها على الكتابة الذاتية في أعمالها، والتي هي عبارة عن أجزاء وأحداث تختارها من حياتها الشخصية لتسردها في رواية، الكتابة الذاتية يتم احترامها في العالم أجمع لأنها تجسد الحياة الفعلية وترسم شخوص ومشكلات الواقع لا عالم متخيل يرزح في المثالية المفرطة أو السوداوية المفرطة أيضاً، ولأن القدرة الحقيقية للكاتب هي في تعبيره عن نفسه لا عن أشياء بعيدة كل البعد عنه، ولأنها الكتابة الأقرب للواقع والقلب، ولكننا في العالم العربي نعشق التنظير ليس إلا!

 

 

الكاتبة ميرنا الهلباوي من حسابها الرسمي
الكاتبة ميرنا الهلباوي من حسابها الرسمي

   وفي النهاية عزيزي القارئ إذا كنت وصلت معي إلى هنا؛ فلا يسعني إلا أن أشكرك على صبرك وحسن انتباهك، وإذا كنت قرأت رواية الكاتبة ميرنا الهلباوي حول كونداليني صحوة الروح أو أي من أعمالها الأخرى؛ فيسعدني أن تشاركني برأيك حولها في التعليقات؛ لنثري الحوار وتعم الفائدة، كما إنني في انتظار ترشيحاتك حول أي من الأعمال الأدبية أو الفكرية والثقافية الأخرى التي قد نتناولها بالتحليل والتقييم في تدوينات قادمة إن شاء الله، وحتى نلتقي قريباً دمتم في رعاية الله.

تعليقات