قراءة في المجموعة القصصية "المفتاح وقصص أخرى" للأديب المجري كوستولاني دجو

قراءة في المجموعة القصصية "المفتاح وقصص أخرى" للأديب المجري كوستولاني دجو

     أكاد أجزم أن ما من قارئ عربي عادي قد اطلع على الأدب المجري من قبل، وأقصد بالقارئ العادي ها هنا أي القارئ غير المتعلق أو المتخصص في الأدب المجري أو الثقافة المجرية بشكل من الأشكال، وقد يكون ذلك مرجعه لندرة ما تم ترجمته إلى اللغة العربية من روائع الأدب المجري، وذلك مرجعه أيضاً إلى كون اللغة المجرية من اللغات ضيقة الإنتشار حيث لا يتحدث بها سوى عشرة ملايين شخص فقط هم سكان دولة المجر مما لا يجعل الأمر مشجعاً لتعلمها وبالتالي يضيق مجال الترجمة عنها.

   وقد كنت اعتقد -قبل قراءاتي لهذه المجموعة القصصية للأديب المجري كوستولاني دجو وقراءة المقدمتين اللتين كتبهما المستشار الثقافي المجري ومترجمة العمل إلى اللغة العربية شريفة كامل- أن الأدب المجري والثقافة المجرية يتم تداولها باللغة الألمانية، ربما مرجع ذلك الإعتقاد إلى كون أن دولة المجر خضعت لفترة طويلة من الزمن تحت حكم الإمبراطورية الألمانية النمساوية، وفي مقدمة المجموعة القصصية التي كتبها المستشار الثقافي المجري أوضح بشيء من الإيجاز تاريخ الثقافة المجرية والأدب المجري على مر العصور.

    بينما في مقدمة شريفة كامل مترجمة العمل من اللغة المجرية إلى اللغة العربية، تناولت ترجمة السيرة الذاتية للأديب المجري كوستولاني دجو وتوضيح إنجازاته وأعماله ومشاركاته السياسية في تاريخ الثقافة المجرية، أما على مستوى المجموعة القصصية فهي تحتوي على ثلاثة عشر من روائع القصص القصيرة في الأدب المجري وربما في الأدب العالمي ككل، فلم أشعر بمثل هذا الاستمتاع والاستغراق في القراءة حتى قمة رأسي من قبل، لقد كنت أتمنى أن لا تنتهي تلك المجموعة القصصية أبداً!

     تميزت قصص الأديب المجري كوستولاني دجو في هذه المجموعة القصصية بقدرتها على التعبير عن دواخل النفس البشرية وعزفها على أوتار مشاعر قراءها، ففي أول قصتين التي افتتحت بهما المجموعة القصصية "مريم الفضية" و"لص القطار" تناول الأديب المجري كوستولاني دجو مشاعر السارق وإحساسه بالذنب سواء كان سارقاً محترفاً كلص القطار أو طفلة عابثة سرقت لهواً مريم الفضية، كما خيم الموت على أكثر من قصة للأديب كوستولاني دجو في هذه المجموعة القصصية فأبدع في تصوير مشاعر وأفكار كل من يتعرض لهذه المحنة ويخطف الموت منه غالياً على قلبه.

    فقد كان الموت بطلاً أساسياً لستة قصص قصيرة للأديب المجري كوستولاني دجو في هذه المجموعة القصصية بأشكال مختلفة، فقد زار الوالدين ليخطف منهما ابنهما الوحيد كما في قصة استحمام، أو زيارة كاذبة للفتيات في قصة إكليل الورد لينهب منهما أموالهما، أو الحبيب الذي تقتله حبيبته خطأ كما في قصة ساحرة، أو الطفل الذي يتخيل حياة الأموات ولم ماتوا كما في قصة آماليا، وحتى أفكار وتصورات من يظن أنه مشرفاً على الموت كما في قصة نزيف أنفي.

   هذا وبالإضافة إلى قصة المريض الصغير التي توقع أبطالها طوال الوقت استقبال موت الطفل المريض ففاجأهم موت الأم بينما ظل الطفل حياً يتلاعب بمشاعر ممرضيه ويتخذ من مرضه سلاحاً مصوباً تجاههم، كما أبدع الأديب المجري كوستولاني دجو في تصوير زهوة البدايات التي تجعلنا نرى كل ما يحيط بنا جميلاً رائعاً على عكس حقيقته التي قد نكتشفها عندما نسترد عقولنا كما في قصة بحيرة، كما أجاد في التعبير عن مشاعر الأطفال الذين يتجاهل ذويهم رغباتهم وطموحاتهم في الحياة ويتخذون منهم وسيلة لتحقيق أحلامهم الشخصية كما في قصة المفتاح التي حملت المجموعة القصصية عنوانها.

    بالإضافة إلى القصص التي عمد فيها إلى تصوير العديد من المشاعر الإنسانية وظواهر الحياة الاجتماعية للبشر كالخوف من الوحدة كما في قصة الشمسية والشره واتباع الشهوات كما في قصة محل الحلواني والغيبة والنميمة كما في قصة غرفة إيداع الملابس، وفي المجمل كانت قصص الأديب المجري كوستولاني دجو عبارة عن تحفة أدبية فلا ريب أن يتم اعتباره كأبرز أعمدة الأدب المجري وألمع الشخصيات المؤثرة في الثقافة المجرية خلال القرن العشرين، وإنني لآمل في ترجمة المزيد من أعماله وكذا من روائع الأدب المجري بشكل عام إلى اللغة العربية ليتسنى لنا كقراء عرب الإطلاع على مثل هذه الدرر!