قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

السماح بالرحيل وكيفية التخلص من المشاعر السلبية وتحقيق الرغبات

 

كتاب السماح بالرحيل
كتاب السماح بالرحيل


 

    السماح بالرحيل هو عنوان كتاب للطبيب النفسي الأمريكي ديفيد هاوكينز، رشحته لي إحدى صديقاتي، ولأننا كنا نتحدث وقتها عن الموت والاستغراق في الحزن بعده وعدم التمكن من الخروج من هذه الصدمة؛ فقد كنت أتوقع أن الكتاب يدور حول هذا الموضوع بالتحديد، ولكنه كان أشمل بكثير؛ فهو لا يتناول فقط مشاعر الحزن أو الصدمة وإنما التخلص من المشاعر السلبية في الحياة ككل وتجاوزها؛ لنصل في النهاية إلى حياة سوية تمكننا من تحقيق كل أهدافنا ورغباتنا وذلك عبر تقنية السماح بالرحيل التي وضعها ديفيد هاوكينز في كتابه، والتي اكتشفت أنني كثيراً ما طبقتها دون علم في مواقف مختلفة من حياتي وآتت ثمارها بالفعل.

ملخص كتاب السماح بالرحيل للدكتور ديفيد هاوكينز:

   وفي بداية الأمر يعتبر الكتاب ضخماً إلى حد ما حيث تصل عدد صفحاته إلى 388 صفحة من القطع المتوسط، ومن الأفضل قراءته بالتفصيل، حيث يقسمه دكتور ديفيد هاوكينز إلى فصول، يتحدث في كل فصل منها عن شعور سلبي ما وكيفية تطبيق هذه التقنية عليه مع ذكر مواقف مختلفة سواء من حياته الشخصية أو لمرضاه؛ لتوضيح الصورة، وذلك للوصول في النهاية إلى التخلص من المشاعر السلبية بكافة أنواعها، ولكن بشكل عام يمكن تلخيص كتاب السماح بالرحيل في ثلاث نقاط أساسية، هي:

-        التخلص من المشاعر السلبية :

   كما أوضحت سابقاً يوضح الكتاب كيفية التخلص من المشاعر السلبية بالتفصيل لكل شعور على حدة، ولكن في حقيقة الأمر فإن التقنية واحدة مع كل شعور، ولم يكن التفصيل إلا لزيادة التوضيح وترسيخ الأمر، وهذه التقنية هي إدراك الشعور وتفهمه وتقبل وجوده والتعبير الذاتي عنه دون الهروب منه وقمعه أو كبته وكذلك دون اتخاذ أي سلوك أو إجراء حياله، وإنما فقط الإحساس به، وتركه يأخذ مجراه في النفس حتى يرحل دون أي تدخل، وقد يستغرق هذا الأمر فترة طويلة في البداية، ولكن بعد الاعتياد على استخدام هذه التقنية؛ سيسهل على الشخص ادراك مشاعره  بسهولة وتطبيق تقنية السماح بالرحيل عليها.

   ولتوضيح الأمر يمكننا أخذ مثال على التخلص من المشاعر السلبية بعد وفاة شخص عزيز مثلاً، فعادة ما يتعامل الأشخاص مع هذا الأمر باحدى طريقتين إما الإنهيار التام أو الهروب من مشاعر الفقد التي تجرها هذه الوفاة بالإنغماس في العمل أو أمور الحياة المختلفة؛ للابتعاد عن التفكير في الأمر وإيقاف الشعور، وكلا الطريقتين خاطئتين، فالأولى تعمل على إيقاف الحياة بشكل كلي تقريباً وقد تؤدي للجوء إلى العلاج النفسي المكثف حيث قد يصل الشخص إلى حالات الإكتئاب المزمن.

   أما الطريقة الثانية فعلى الرغم من أنها تبدو طريقة جيدة وقد تكون محفزة على العمل والإنجاز، وقد يصل بمفاداها الشخص إلى النجاح المهني مثلاً بشكل غير متوقع في الأحوال العادية، إلا أن كبت الشعور بهذه الطريقة لا يؤدي إلى التخلص من المشاعر السلبية وإنما تراكمها بمرور الوقت بشكل أكبر، كأن يكون لدى أحدنا التهاب في عضو ما؛ فيتجاهله بدلاً من معالجته حتى يصل الأمر إلى الغرغرينا ويضطر إلى بتر العضو تماماً، وفي هذه الحالة فإن تراكم الشعور بهذه الطريقة تظهر عوارضه بشكل آخر كالأمراض المزمنة التي لا علاج لها ولا أسباب عضوية واضحة للإصابة بها، وكذلك صعوبة علاج الأمراض العضوية البسيطة أو الواضحة على الرغم من تناول الأدوية المناسبة، وذلك لأن الجسم يعلن ثورته وعصيانه بسبب تجاهل ما يعتمل داخله بدلاً من التعامل معه.

-        آلية تطبيق السماح بالرحيل :

   ولكن عند تطبيق التقنية في المثال الذي ذكرناه عن وفاة شخص عزيز؛ فما سنفعله هو إدراك الشعور المتعلق بهذا الحدث، مثل الحزن لفقد هذا الشخص، والغضب من هذا الشخص لرحيله أو من الحياة لأنها حرمتنا إياه، والخوف من مواجهة الحياة بدون هذا الشخص خاصة لو كان شخصاً داعماً في الحياة كالوالدين أو الشريك أو أحد الأبناء، وربما أيضاً الكراهية لمن تسبب في هذه الوفاة لو كانت ناتجة عن حادث أو جراء عملية طبية مثلاً.

السيرة الذاتية للدكتور ديفيد هاوكينز
السيرة الذاتية للدكتور ديفيد هاوكينز

   ويتم السماح بالرحيل من خلال تخصيص وقت يومي للتفكر في هذا الشعور، وتخيله مع عدم الحكم عليه أو محاولة تأنيب النفس للشعور بهذه الطريقة، أو محاولة اتخاذ أي سلوك أو إجراء حيال هذا الشعور، مجرد فقط الإحساس به وتخيله، وكأننا ننظر إليه من الخارج، ربما من المفيد في هذه المرحلة استخدام تقنيات التأمل المطبقة في اليوجا، وتطبيق هذا الأمر يومياً حتى يرحل الشعور ونتمكن من التخلص من المشاعر السلبية قد يبدو الأمر غير واقعي أو مجدي، ولكن مع تطبيقه بصدق وفعالية سيتضح العكس، وليس الأمر سهلاً فهو يحتاج إلى صبر وآناة.

-        تحقيق الرغبات:

   وبالإضافة إلى ما سبق فإن النقطة الثالثة في الكتاب هي كيفية تحقيق الرغبات للوصول إلى ما نريد، يرى دكتور ديفيد هاوكينز أن الرغبة المستعرة الملحة في الحصول على شيء ما، هي تماماً كالشعور السلبي الذي لا بد أن نتخلص منه، وهو هنا لا يعني أن نفقد الأمل أو نيأس من الحياة، وإنما يعني كما قال حرفياً في كتابه: "التخلي عن الرغبة لا تعني ألا تحصل على ما تريد، ولكنها تمهد الطريق لحدوثه"، وهو ما يعني أن تمسكنا المستميت لحدوث شيء ما ننتظره ونريد تحققه على عجل يجعل هذا الشيء يبتعد عنا.

   ولكن تطبيقنا لتقنية السماح بالرحيل مع رغباتنا الملحة أيضاً يجعلها تتحقق، وهي في هذا الأمر تكون من خلال تخيل الأمر الذي نرغب في تحققه، وتخيل أنه حدث بالفعل، والثقة التامة في أننا امتلكناه فعلاً، وربما تعليقه على لوحة الأمنيات على الحائط، ومن ثم عدم الالتفات له مرة أخرى، والسير في حياتنا بخطى ثابتة، وهذا لا يعني بالطبع السير في طريق آخر غير الموصل للرغبة التي نريدها، وإنما السير في هذا الطريق دون توتر وحمل عبء تحقق تلك الرغبة طوال الوقت.

   وهذا الأمر يشبه كثيراً حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "اعقلها وتوكل"؛ والتعاليم الدينية التي يزخر بها الإسلام بأن نسلم أمورنا لله بعد أن نقوم بما علينا، ونثق تماماً فيما عنده وفي مكافأته لنا "أنا عند ظن عبدي بي"، مع عدم التكالب على الدنيا وحمل عبئها طوال الوقت؛ لأنها في النهاية في يد الخالق الذي وعدنا بالحصول على ما نستحقه وما يكافئ جهدنا، وهذا ما أشار إليه دكتور ديفيد هاوكينز في كتابه بكون هذه التقنية تتفق مع قواعد الإيمان ومع كل الروحانيات التي تحث عليها الأديان المختلفة.

تجربتي الشخصية مع التخلص من المشاعر السلبية وتحقيق الرغبات:

   وكما ذكرت في بداية المقال بأنني اكتشفت تطبيقي لتقنية السماح بالرحيل في مواقف مختلفة من حياتي دون العلم بها، وربما كان تطبيقي لها بشكل أكبر من منطلق ديني وتوكل على الله، ويقين مني أن تلك هي الطريق الوحيدة للتخلص من عبء أشياء ليس بيدي حل لها، فبالفعل كان التخلص من المشاعر السلبية يتم في كثير من الأحيان بهذه الطريقة، ولا أدعي أنني تمكنت على طول الطريق من الانتصار عليها، ولكنني أكسب جولات وتكسبني جولات، وربما بعد تعرفي على التقنية بشكل علمي أتمكن من الانتصار بشكل أكبر.

  أما عن تحقيق الرغبات؛ فلدي مواقف عديدة تثبت فعالية تقنية السماح بالرحيل في تحقق الرغبات، بعضها شخصي قد لا أود مشاركته على الملأ، ولكن أحد هذه المواقف التي يمكنني مشاركتها هو رحلة استكمالي للدراسات العليا، فقد كان بالنسبة لي أمراً محتوماً أن ألتحق بالدراسات العليا فور تخرجي، ولكن ما حدث هو أن كليتي تم إغلاق الدراسات العليا بها، ورفض أبي إلتحاقي بكلية في بلد آخر، وكان هذا مثار شجار متواصل في البيت؛ لإصراري في كل عام على أن أذهب لأسجل في أي كلية بمحافظة أخرى ورفض أبي لذلك.

   وكنت كل عام أدعو باستماتة أن تعيد كليتي فتح الدراسات العليا هذا العام، ولم يكن يتحقق شيء، حتى سلمت الأمر برمته لله، وتحول دعائي من تحديد هذا العام في كل دعاء إلى أن يحقق الله لي ما أتمناه وفيه الخير لي بشكل عام أياً كان، وأقنعت نفسي أن الأمر سيتم إذا كان مقدراً لي، كنت أستعد له بالدراسة وتجهيز أوراقي، ولكن لا أستميت في الحصول عليه؛ فإذا تم فهو خير، وإذا لم يتم؛ فالحياة لن تقف عند هذا الأمر.

   حتى أتى يوم كنت في الجامعة للسؤال عن كورس للغة الإنجليزية، وبشكل روتيني مررت على إدارة الدراسات العليا للسؤال روتينياً ليس إلا، واعتقادي أنني سأنال الإجابة المعتادة، ولكنني فوجئت بإعادة فتح الدراسات العليا في قسمي، وتمكني من التقديم على الرغم من إنتهاء موعد التقديم، وانتظمت في الدراسة، وها أنا الآن باحثة ماجستير في الصحافة على مشارف تسجيل رسالتي، فقد طبقت بالفعل تقنية السماح بالرحيل دون علم بها، وكان لهذا التطبيق أثراً على راحة بالي وتخلصي من الضغط والتوتر المستمر الذي كان يؤرقني في كل عام حول التحاقي بالدراسات العليا أم لا؛ فأمضيت هذه الفترة في استغلال وقتي في أشياء آخرى لها تأثيرها الحالي على دفعي قدماً في خطواتي التي أقوم بها الآن.

 

 

كيفية التخلص من المشاعر السلبية وتحقيق الرغبات
كيفية التخلص من المشاعر السلبية وتحقيق الرغبات

  وفي النهاية عزيزي القارئ يسعدني أن تشاركني آرائك حول تقنية السماح بالرحيل وهل خضت تجربة تطبيقها من قبل سواء عن علم أو دون علم بها؟ وهل ساعدتك في التخلص من المشاعر السلبية وتحقيق رغباتك؟ وإذا لم تجربها من قبل؛ فهل اقتنعت بها وتنوي تجربتها؟ أتمنى أن تشاركوني خبراتكم وتجاربكم في التعليقات، وإذا كان لديكم اقتراحات لكتب أو موضوعات مختلفة ترون أنها مناسبة للكتابة عنها وفتح النقاش حولها؛ فيسعدني تلقي اقتراحاتكم في التعليقات، وإذا أعجبكم المقال؛ فيسعدني مشاركتكم له عبر المنصات المختلفة؛ ليصل إلى أكبر عدد من القراء ويشاركونا هم أيضاً بآرائهم.

تعليقات

  1. في الحقيقة انا ايضا طبقت هذه التقنية -السماح الرحيل- دون علمي وعذا طبعا من منطلق ديني كما هو حال الكثير
    لأننا على يقين بأن مع العسر يسر
    وأن الصبر بعدع فرج لان الايمان بالفرج راسخ في عقيدة المؤمن ،تماما مثل الصوم مهما طالت ساعات الصيام فنحن على يقين بأن وقت الافطار سيأتي ونسمع اذان المغرب هكذا هو الحال للصبر مهما طال الوقت سيأتي الفرج

    ردحذف
    الردود
    1. هذا ما أوضحه دكتور ديفيد أن كل الأديان تتفق مع هذه التقنية؛ لإنها في النهاية تؤمن بوجود قوة أكبر منا تسير الكون

      حذف
  2. اتمنى ان تناقيشي رواية القبيلة تستجوب القتيلة لغادة السمان

    ردحذف

إرسال تعليق

تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟