مصطفى سعيد موسيقي مصري يفوز بجائزة الآغا خان للموسيقى

الموسيقي المصري مصطفى سعيد
الموسيقي المصري مصطفى سعيد





    كثيرون هم النجباء الذين لا نعرف عنهم شيئاً ولا توفيهم وسائل إعلامنا حقهم من الإشادة بمواهبهم ومجهوداتهم، ربما لأنهم لا يركبون الموجة وينحطون بأعمالهم إلى درجات الابتذال والإسفاف سعياً لكسب الشهرة بلهاث جمهور لا يفرق بين الغث والثمين وتغطيات إعلامية تسعى لكسب مزيد من المشاهدات وزيادة "الترافيك" بغض النظر عن المحتوى المقدم، من هؤلاء الفنان المصري "مصطفى سعيد" الذي حصل مؤخراً على جائزة الأغا خان للموسيقى والذي ربما لم يسمع الكثيرون باسمه من قبل.
   مصطفى سعيد هو مطرب وملحن وعازف عود مصري يعمل على إحياء الموسيقى والأغاني العربية والمصرية الأصيلة من خلال فرقته "أصيل" للموسيقى العربية الكلاسيكية المعاصرة والتي أسسها عام 2003م. أول مرة أسمع فيها اسم الموسيقي المصري "مصطفى سعيد" كانت منذ عدة أشهر من خلال راديو اليابان الدولي! كان "مصطفى سعيد" يقدم عرضاً موسيقياً على مسرح الأوبرا اليابانية في إطار التعاون الثقافي بين مصر واليابان وأجرى القسم العربي لراديو اليابان الدولي –الذي اتابع برامجه بانتظام- حواراً معه.
   استمتعت بالحوار إلى آخره ولكنني لم أهتم جدياً بالبحث أكثر عن شخص "مصطفى سعيد" ومرت الأيام ونسيت الأمر تماماً حتى وصلني بالأمس بريد إلكتروني لتغطية إخبارية حول حفل تسليم جوائز الآغا خان للموسيقى، لأجد اسم مصطفى سعيد يتربع على رأس الفائزين حيث تسلم جائزته في فئة الأداء بعد أن قدم مقطوعة موسيقية ألفها بنفسه مستوحياً إياها من قصائد صوفية يرجع عمرها إلى ثلاثمائة عام، معللاً ذلك بقراءته المستمرة في التراث الشعري والغنائي العربي والإسلامي القديم وعندما يلفت انتباهه شيئاً ما يبدأ في تحويله إلى موسيقى.
    ومن هذه التغطية الخبرية تعرفت على شخص "مصطفى سعيد" بما لم يتح لي معرفته من خلال مقابلة راديو اليابان الدولي، حيث لم تتطرق المقابلة مثلاً إلى كونه من فاقدي البصر منذ ولادته في القاهرة عام 1983م وقد تعلم قراءة وكتابة النوتات الموسيقية بطريقة برايل، كما تعلم الموسيقى الغربية أيضاً بنفس الطريقة وذلك بالمراسلة مع مدرسة هالدي للمكفوفين وضعاف البصر، وقد تقدم في المراكز العلمية حتى أصبح أستاذاً للموسيقى في العديد من المعاهد الموسيقية من بينها المعهد العالي للموسيقى في الجامعة الأنطونية بلبنان.
    ولكون "مصطفى سعيد" باحثاً في مجال الموسيقى العربية فقد نشر العديد من الأبحاث والدراسات والمقالات الأكاديمية حول الموسيقى العربية، كما قام بجمع أكثر من خمسمائة أغنية عربية ومصرية قديمة ووثق لها، وقد تولى منصب المدير الفني لمؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بلبنان من عام 2008 وحتى عام 2010 وهو الآن المدير العام لتلك المؤسسة، أما عن جائزة الأغا خان للموسيقى في فئة الأداء فقد تنافس "مصطفى سعيد"على الجائزة مع أربعة عشر فناناً من مختلف دول العالم.
   ضمت قائمة المرشحين لجائزة الأغا خان للموسيقى في فئة الأداء كل من: عازف العود أحمد الخطيب والمغنية عازفة الفلوت ناي البرغوثي وعازفة العود والقانون هدى عصفور من فلسطين، عازف الناي شاهو عندليبي وعازف السنطور أراش محافظ وعازف الكمان رضا بارفيزاده والمغنية نسيم سيابيشاهريفار من إيران، عازف الساروت سوغاتا روي تشودري ومغني وعازف السارانجي أسين خان لانغا من الهند، عازف العود بوراك كينارجا من تركيا، مغني وعازف آلة الهارمونيَم إيجاز شير علي خان من باكستان، والمغنية عبير نعمة من لبنان، عازف العود والبزق محمد عثمان من سوريا، بالإضافة إلى الفنان المصري  الفائز بجائزة الأغا خان للموسيقى عن فئة الأداء مصطفى سعيد.

صورة مجمعة للفائزين بجوائز الآغا خان للموسيقى
صورة مجمعة للفائزين بجوائز الآغا خان للموسيقى

   وإلى جانب فئة الأداء ضمت جوائز الأغا خان للموسيقى ست فئات أخرى هي: التأليف الموسيقي التي فازت بها الملحنة وعازفة البيانو الأذربيجانية فرانكيز علي زادة، وذلك لإنتاجها مجموعة غنية من المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية المستوحاة من تقاليد أذربيجان الموسيقية والأدبية. والتعليم الموسيقي التي فازت بها فرقة "أومنيبس إينسيمبل" من أوزبكستان والتي تعمل على خلق تقارب فني بين تقاليد المقام الموسيقي الكلاسيكي المحلي والموسيقى المعاصرة. والاندماج الاجتماعي للموسيقى التي فازت بها الفنانة التونسية بديعة بوحريزي وهي مغنية وكاتبة أغاني وملحنة قامت بتوظيف موسيقاها لتعزيز قيم العدالة الاجتماعية والتعددية والديمقراطية في المجتمع.
   بالإضافة إلى فئة الحفظ والإحياء ونشر الموسيقى التراثية التي فاز بها فرهود حليموف مغني وملحن وعازف على عدة آلات موسيقية من سمرقند بأوزبكستان، وهو يحتفظ بمخزون من الأغاني الكلاسيكية التقليدية الخاصة بسمرقند، وفئة المساهمات المتميزة والدائمة في الموسيقى التي فازت بها المطربة وكاتبة الأغاني أمو سانغاري إلى جانب بالاك سيسوكو العازف على آلة الكورا من مالي، وأيضاً داريوش تالاي العازف على آلة التار من إيران، بينما تم منح جائزة الراعي الخاصة للمغني الإيراني محمد رضا شجريان تقديراً لمساهماته الدائمة في التراث الموسيقي الإنساني.
      وقد ضمت لجنة تحكيم جوائز الأغا خان للموسيقى في هذه الدورة كل من: جان ديورينج أستاذ الموسيقى الإثنية في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية وديفيد هارينغتون مؤسس وعازف الكمان الأول في فرقة كرونوس الرباعية وسليمة هاشمي رسامة ومديرة سابقة للكلية الوطنية للفنون في لاهور بباكستان ونوري اسكندر ملحن ومدير سابق للمعهد العربي الموسيقي في حلب بسوريا وأكرم خان مصمم رقص ومؤسس شركة أكرم خان لعروض الأداء، وقد استضافت مؤسسة كالوست كولبنكيان في لشبونة بالبرتغال، حفل توزيع جوائز الآغا خان للموسيقى الذي أقيم خلال الفترة من 29 إلى 31 مارس الماضي.
الحفل الختامي لتسليم جوائز الآغا خان للموسيقى
الحفل الختامي لتسليم جوائز الآغا خان للموسيقى

   وحضر الحفل الختامي لتسليم جوائز الأغا خان للموسيقى رئيس جمهورية البرتغال البروفيسور مارسيلو ريبيلو دي سوزا والأمير كريم آغا خان رئيس شبكة الأغا خان للتنمية إلى جانب عدد كبير من الشخصيات الدولية الهامة، وقد قام الآغا خان بتأسيس جوائز الآغا خان للموسيقى في شهر مارس من العام الماضي 2018م بهدف تشجيع الإبداع الاستثنائي ومشاريع الأداء الموسيقي التي تحفظ وتنشر التراث الموسيقي في المجتمعات الإسلامية حول العالم.
   وعلى الرغم من أن هذه هي الدورة الأولى لجوائز الأغا خان للموسيقى والمزمع إقامتها كل ثلاث أعوام،  إلا أن جوائز الأغا خان بصفة عامة ذات اسم عريق في مجالات الفنون الإسلامية المختلفة حيث تقدم في مجالات الأدب والعمارة والفنون التشكيلية وغيرها من مجالات الآداب والعلوم المختلفة وقد حصل عليها في مجال العمارة في سبعينيات القرن الماضي المعماري المصري الأشهر حسن فتحي.

تعليقات