قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

زكاة الفطر حبوب من طعام أم مال؟!

صورة تعبيرية عن زكاة الفطر
صورة تعبيرية عن زكاة الفطر





     كل عام وأنتم بخير، انقضى شهر الصوم جعلنا الله من المقبولين فيه وأنعم علينا برحمته ورضوانه وغفر لنا ما قصرنا فيه وكتبنا من عتقائه في هذا الشهر الكريم بفضله وكرمه، وها نحن مقبلين على أيام عيد وفرح، وفي كل عام مع قرب عيد الفطر يثور الجدال مرات ومرات حول زكاة الفطر: أنخرجها مالاً أو طعاماً من حبوب؟ ومع التسليم بأن كل الأدلة الشرعية من السنة تدل على أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد أخرجها طعاماً من حبوب ولم يخرجها مالاً، إلا أن مع اجتهاد العلماء والفقهاء فهم يرون أن لا بأس في إخراجها أموالاً لحاجة الفقراء للمال أكثر من حاجتهم لحبوب الطعام.
    وهنا تثور ثائرة المتمسكين بظاهر النصوص لينددوا بمن يفتي بذلك وأنه يحرف شرع الله وما إلى ذلك، حيث يفسرون الأمر بكون زكاة الفطر من الحبوب هي عبادة توقيفية علينا تأديتها بنفس الطريقة التي أداها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويشبهون الأمر بأضحية عيد الأضحى فيتسائلون إذا ما كان من الممكن بنفس المنطق عدم ذبح الأضحية والتصدق بثمنها على الفقراء؟! ولكنهم للأسف يغفلون جانباً هاماً في هذا التشبيه، ألا وهو أن ذبح الأضحية لا يقصد به في الأصل التصدق على الفقراء بل الإقتداء بنبي الله إبراهيم (عليه السلام) في ذبحه للكبش فداءاً لولده إسماعيل (عليه السلام).
    ومما ينفي وجه الشبه بين الأضحية وزكاة الفطر أن الأضحية لا تذهب كلها للفقراء بل إن ثلثها فقط هو ما يتم التصدق به بينما الثلثين الآخرين يوزعوا على النفس والأهل والجيران، حتى إن بعض الآراء الفقهية ترى إن كان المضحي فقيراً لا يملك سوى قوت يومه وضحى بذبح صغير كنعجة أو جدي ضئيل فله أن يأكله وأهله كله ولا يتصدق بشيء منه ما دام فقيراً وذلك يجزئه في القيام بالشعيرة إذ أن الأصل فيها هي الذبح لله.
    أما زكاة الفطر فالأصل فيها هو أن نكفي الفقراء ذل السؤال والحاجة في يوم العيد، وإذا كانت تلك الحبوب من الطعام لن تكفيهم ذل السؤال فقد سقطت الحكمة من زكاة الفطر، إنني قبل عدة أيام فقط كنت أصر مثل الآخرين على إخراج زكاة الفطر حبوباً من الطعام تطبيقاً للنص حتى سمعت من العديدين عن مطالعتهم للعديد من الفقراء الذين يأخذون زكاة الفطر حبوباً من طعام فيذهبون لبيعه بنصف الثمن لمحلات العطارة ودكاكين البقالة لحاجته للنقود.
   إذاً فالمستفيد الوحيد في هذه العملية هو التاجر الذي تزيد أرباحه في عملية التدوير تلك بينما يخسر الفقير نصف مستحقاته من زكاة الفطر، ولا يتم تحقيق الحكمة الشرعية من زكاة الفطر بكفايته عن السؤال في يوم عيد الفطر، بالطبع لا يمكن لأحد أن يلوم على من يخرج زكاة الفطر حبوباً من طعام لالتزامه بظاهر النص، ولكن أيضاً ليس من حقه اللوم على من يخرج زكاة الفطر مالاً لرغبته في تحقيق هدف النص، ففي زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان الطعام هو الأغلى والأشد حاجة إليه.
    بينما في زمننا هذا حتى مع غلاء أسعار الطعام إلا إنه يبقى هو الأرخص بين احتياجات لا حصر لها بداية من أجرة السكن مروراً بفواتيره المتصاعدة طوال الوقت انتهاءاً بالكساء وملابس العيد التي قد تدخل فرحة لا مثيل لها على قلوب الأطفال في عيد الفطر، فكفانا مزايدة على بعضنا البعض ولنحاول معاً تقليل المعاناة على هذه الفئات المهمشة من استطاع بحبوب الطعام فخير ومن استطاع بالمال فخير أيضاً، والله أعلى وأعلم.

تعليقات