قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

بين رواية الجبل لفتحي غانم وقرية الجرنة لحسن فتحي

قراءة في رواية الجبل لفتحي غانم
قراءة في رواية الجبل لفتحي غانم



     رواية الجبل لفتحي غانم هي أول قراءاتي له وقد علمت أيضاً أنها أول أعماله الروائية، وعلى الرغم من المديح الذي أغدقه عليه رواد مواقع نقد الكتب كالجودريدز مثلاً أو حتى المقالات النقدية المنشورة في الصحف المختلفة على مر السنين إلا أن حقيقة لم تحظى الرواية بإعجابي وأرى بها الكثير من القصور الذي يثير استغرابي عندما يخرج من أديب كبير مثل فتحي غانم، ولكن عندما علمت أنها أول أعماله الأدبية أرجعت ذلك لبداية التجربة فأي كاتب في بداية أعماله يكون متخبطاً ويقع في الكثير من الأخطاء التي يتفاداها بالتجربة في أعماله اللاحقة.

قراءة في رواية الجبل لفتحي غانم:

   ولكن بما أننا بصدد مراجعة رواية الجبل لفتحي غانم فلابد على كل حال من إلقاء الضوء على ذلك القصور، فبداية من ناحية اللغة والأسلوب الأدبي في رواية الجبل لفتحي غانم فقد جاء بسيطاً جداً لا يرقى للأسلوب الأدبي وإنما هو أقرب للأسلوب الصحفي منه للأسلوب الأدبي وقد يكون ذلك مرده كون فتحي غانم صحفياً مرموقاً قبل أن يصبح روائياً معروفاً، ولابد وأن أسلوبه الصحفي قد أثر على أسلوبه الأدبي وهذه للأسف مشكلة كبيرة ربما لكل من يدخلون عالم الأدب من بوابة الصحافة، أعلم ذلك جيداً لأنني أواجه نفس المشكلة!
    لم يكن جانب اللغة والأسلوب هو جانب القصور الوحيد في رواية الجبل لفتحي غانم وإنما أيضاً وقع في الكثير من الأخطاء الفنية في عملية السرد، وعلى سبيل المثال فإن رواية الجبل لفتحي غانم تعتمد على الراوي البطل، فبطل الرواية مفتش التحقيقات هو الذي يروي الأحداث، إذا فهي لا تعتمد على الراوي العليم الذي يرى الأحداث كلها ويعرف جميع المشاعر التي تختلج مختلف الشخصيات دون أن يفصحوا عنها، ولا هي متعددة الرواة حيث تروي كل شخصية الأحداث من وجهة نظرها.
    وعلى الرغم من ذلك فقد كان الراوي البطل يقوم بدور الراوي العليم حيث يروي أحداثاً لم يعايشها وأيضاً لم يعايشها من سمع منهم وكأنه منجم ما يعلم الغيب، فمثلاً عندما كان يروي ما حكاه له حسين علي عن مشكلة أهل الجبل مع المدينة السكنية الجديدة إذا به فجأة يسترسل في وصف الحفلة التي أقامها المهندس للأميرة وما دار فيها وما دار بين الأميرة وخواصها والمهندس من حديث وذلك قبل أن يظهر العمدة في مسرح الأحداث.
    فمن أين عرف الراوي هذه الوقائع؟! فلا العمدة رأى هذه الأحداث ليرويها لحسين علي، ولا حسين علي كان موجوداً في مسرح الأحداث من الأساس ليعرفها فيرويها، ولا الراوي مفتش التحقيقات كان موجوداً في البلد بأكملها ليعرف ما يحدث فيها من الأساس ناهيك عن تلك التفاصيل الدقيقة!

رواية الجبل لفتحي غانم بين الواقع والخيال:

     من المفترض أن الأعمال الروائية هي من خيال مؤلفيها حتى وإن بنت أحداثها وحبكتها على وقائع حقيقية، لكن فتحي غانم في رواية الجبل وقع في خطأ جسيم عندما أطلق على بطله اسمه الكامل "فتحي غانم" وجعله مفتش تحقيقات في وزارة المعارف وهي وظيفة فتحي غانم الحقيقة في بداية حياته المهنية قبل أن يتجه للصحافة والأدب، وأقول أن هذا خطأ حيث جعل روايته ليست عملاً خيالياً وإنما تصويراً للواقع، وقد ظلم هذا الرواية لإن مقارنتها بالواقع يفقدها مصداقيتها.
    أحداث الرواية تجري في قرية القرنة بالأقصر حول نقل سكان الجبل إلى مدينة جديدة بنيت خصيصاً لهم، والذين يحفرون في الجبل ويستخرجون الآثار المصرية القديمة التي لا تقدر بثمن ويبيعونها للأجانب بمبالغ يعتقدون أنها طائلة وهم لا يدركون القيمة الحقيقة لما في أيديهم، هذه الأحداث تتفق وواقعة قرية الجرنة التي بناها المهندس المصري الأشهر حسن فتحي لنفس الغرض، وسمي أسلوبه في العمارة بعمارة الفقراء والتي عمل على بنائها بأسلوب فريد يختلف من مكان لآخر وفقاً لطبيعة المكان الذي يتم البناء فيه والظروف الحياتية للناس الذين يتم البناء لهم.
    ولكن في رواية الجبل لفتحي غانم فقد صور المهندس وكأنه الشخصية الشريرة في أحداث الرواية والذي يحاول نقل سكان الجبل جبراً إلى المدينة التي يرفضون سكناها ولو بالكرباج، كما إنه صور تلك المدينة وكأنها مقابر على هيئة بيوت حيث لا يوجد فيها أي مصدر عمل يورد دخلاً على سكان الجبل على الرغم من أن المدينة كانت تحوي مشاغل للأعمال اليدوية التي يجيدها سكان الجبل وسوقاً لبيعها كما حادث مفتش التحقيقات نفسه بذلك خلال أحداث الرواية وإن كان أراد أن يتم ذلك في الجبل دون نزولهم منه.
    وعلى الرغم من أن فتحي غانم لم يحدد هوية المهندس بشكل صريح واكتفى بالإشارة إليه طوال الرواية باسم المهندس ولكن لا يوجد مهندس آخر سوى حسن فتحي أقام مدينة لسكان الجبل في جرنة الأقصر، وعند مقارنة أحداث رواية الجبل لفتحي غانم بالواقع تفقد مصداقيتها تماماً لمخالفتها لوقائع الأحداث، ومنح فتحي غانم للبطل اسمه وهويته ورواية الأحداث في أماكن حقيقة يجعل من الصعب على القارئ التعامل مع الرواية على أنها محض خيال حتى ولو ادعى كاتبها ذلك!

تعليقات