قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

قراءة في رواية آلموت للكاتب السلوفاني فلاديمير بارتول

غلاف رواية آلموت
غلاف رواية آلموت



  تدور رواية آلموت للكاتب السلوفاني فلاديمير بارتول حول فرقة الحشاشين الإسماعيلية الشيعية التي ظهرت في القرن الحادي عشر الميلادي واستوطنت قلعة آلموت في شمال إيران تحت حكم قائدهم الأعلى ومؤسس الفرقة الحسن بن الصباح، وقد انتشرت العديد من الشائعات حول هذه الفرقة على مدى التاريخ منها ما هو حقيقي ومنا ما هو أقرب للخيال ومنها ما تم إدحاضه بالأدلة المنطقية وإن كان لا يوجد من الحقائق الدامغة ما يثبته أو ينفيه، وقد تكون تلك المتناقضات حول هذه الفرقة هي ما دفع الكاتب السلوفاني فلاديمير بارتول لإختيارها لتكون محوراً لرواية آلموت.

رواية آلموت بين الحقيقة والخيال:

   انتشرت الكثير من الروايات حول فرقة الحشاشين بدءاً من اسمها مروراً بأهدافها وعقيدتها وحتى نهاية أمرها، ومن هذه الروايات ما انتشر حول سبب التسمية الذي أرجعوه إلى استخدام مؤسس الفرقة الحسن بن الصباح لمخدر الحشيش في التأثير على أتباعه من الصبية الغرر وإيهامهم بامتلاكه لمفاتيح الفردوس عن طريق نقلهم مخدرين إلى جنان تم زراعتها في حدائق قلعة آلموت بما يشبه رياض الجنة المذكورة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، فهي مصممة بشكل مدرج تجري فيها أنهار مصنعة من لبن وعسل وخمر مزينة بجوار حسان يطوف عليهم فيها غلمان بأباريق عسل وما يشتهون.
   يذوق أولئك الصبية الغرر شهوات الحياة لأول مرة من أكل طيب وشراب مسكر واشباع لرغباتهم الجنسية وهم المحرومين حتى من الاحتلام الطبيعي داخل أسوار قلعة آلموت؛ فيسهل عليهم تصديق أن تلك هي الجنة التي وعد الله عباده المؤمنين بها وأن إمامهم وقائدهم يملك حقاً مفاتيح الجنة فعندما يعودون لعالمهم الطبيعي بعد أن يخرجوا من تلك الجنة مخدرين مرة أخرى يسهل عليهم التضحية بحياتهم رهن إشارة قائدهم في تنفيذ ما يطلبه منهم من عمليات انتحارية واغتيالات لكبار رجال الدول المعادية ليعودوا في ظنهم لتلك الجنان.
     هذه الرواية هي ما سردها الرحالة الإيطالي ماركو بولو في رحلاته واعتمدها الكاتب السلوفاني فلاديمير بارتول في بناء أحداث رواية آلموت، وبالطبع هذه الرواية هي أكثر الروايات تشويقاً وإثارة ولكنها أيضاً أبعدهم عن الحقيقة وأغرقهم في الخيال، فعن اسم الفرقة هناك العديد من الروايات المختلفة التي تذكر ان الاسم الأصلي لها لم يكن فرقة الحشاشين وإنما كان الأساسين كونهم مؤسسي الفرقة أو الحسانيين نسبة للحسن بن الصباح أو العساسين بمعنى العسس والتجسس، ومن رجح تسمية فرقة الحشاشين أرجعها لاعتمادهم في الغذاء على حشائش الأرض كنوع من التصوف أو استخراجهم للأدوية من حشائش النباتات وأن قلعة آلموت كانت معروفة بتصدير هذا النوع من الأدوية للأسواق العربية والإسلامية، والبعض أرجعها كنوع من السب والإهانة الموجهة لهم من أعدائهم.
    أما عن المعنى الظاهري لسبب التسمية كونهم يتعاطون مخدر الحشيش فهو غير منطقي علمياً إذ ليس بمقدور "المسطول" أن يقوم بعمليات اغتيال على هذا القدر من الحرفية والمهنية تحت تأثير المخدر خاصة بعد ما أثبتته الأبحاث العلمية من كون مخدر الحشيش بشكل خاص هو باعث على الكسل والتراخي بعكس أنواع المسكرات والمخدرات الأخرى التي قد تثير كوامن العنف لدى الإنسان، أما عن دعوى وجود حدائق الجنان داخل قلعة آلموت التي يتم خداع الصبية الصغار بها فحسب الموقع الجغرافي كما يقال فإنها منطقة صخرية غير قابلة للزراعة كما إنها على ارتفاع عال تغطيه الثلوج فترات طويلة خلال العام مما يجعل تلك الجنان المتخيلة هي أمر أقرب للخيال.
    والمصدر الوحيد لمعلومة جنان قلعة آلموت هو مذكرات الرحالة الإيطالي ماركو بولو والذي ولد في الأساس قبل عامين فقط من حرق قلعة آلموت عن بكرة أبيها على يد القائد المغولي هولاكو أي أنه لم يرى قلعة آلموت في صورتها الأصلية عند زيارته لها وما سجله عنها هو من وحي خياله وربما أيضاً خيال السكان المحليين الذين ربما نسجوا الأساطير حول قلعة آلموت وساكنيها على مر العصور، إذاً فرواية آلموت ليست رواية تاريخية تؤصل للتاريخ وإنما هي رواية خيالية تعتمد على بعض الأحداث والشخصيات التاريخية الحقيقية لتنسج حولها أساطير من الخيال.
   بالطبع لا يعتبر هذا نقصاً في رواية آلموت وإنما أعتقد أنه يجدر بالقارئ معرفة هذا الأمر جيداً حتى لا يقع في فخ التسليم بصحة كل ما يدور من أحداث رواية آلموت، خاصة وأن الثقافة العامة عن المذاهب الشيعية بشكل عام ليست بالقدر الكافي الذي يسمح للقارئ بمعرفة الحقيقة من الخيال ما بالك بفرقة أندثر وجودها منذ قرون ولم يعد الحديث جارياً عنها.

ظروف كتابة رواية آلموت:
الكاتب السلوفاني فلاديمير بارتول
الكاتب السلوفاني فلاديمير بارتول

     من المستغرب أن يقدم كاتب سلوفاني بعيد كل البعد عن الثقافة العربية والحضارة الإسلامية على كتابة رواية تتناول هذا الجانب الشائك والقضايا الملغزة في فترة من أحلك الفترات في التاريخ الإسلامي، ولكن نظراً لزمن كتابة الرواية الذي عاصر اندلاع الحرب العالمية الثانية فقد يكون غرض الكاتب السلوفاني فلاديمير بارتول من كتابة رواية آلموت هو استخدام نموذج الحسن بن الصباح في الإسقاط على الأنظمة الديكتاتورية الشمولية الموجودة آنذاك متمثلة في أنظمة هتلر وموسيليني، وبالطبع استخدام هكذا نموذج هو أمر ذكي يجعل من السهل عليه الإفلات من قبضة أي معارض له.

    وفي النهاية لا يسعنا القول إلا أن رواية آلموت كعمل أدبي فني هي عمل متكامل يحوي كافة الجوانب الفنية اللازمة لرقي العمل، وربما ذلك هو ما ساعدها على تخطي كافة الحواجز ليعاد نشرها بتسعة عشر لغة مختلفة ويستوحى منها العديد من الأفلام وألعاب الفيديو جيم حتى انها أصبحت مقرراً دراسياً على طلاب المرحلة الثانوية في سلوفانيا بلغتها الأصلية.

تعليقات