قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

ما وراء النهر ما بعد الحداثة في أدب طه حسين

 

ما بعد الحداثة في أدب طه حسين

ما بعد الحداثة في أدب طه حسين


 

      ما وراء النهر هي أول عمل أدبي أقرأه لعميد الأدب العربي طه حسين، وذلك باستثناء دراستي لكتاب سيرته الذاتية الأشهر الأيام، والذي كان مقرراً دراسياً في المرحلة الثانوية، وأظن أنه لم يكن كاملاً كما تم إدخال العديد من التعديلات عليه؛ ليتناسب مع المرحلة العمرية والدراسية مما يخرجه عن أصله، وكذلك بخلاف مشاهدتي لفيلم دعاء الكروان أكثر من مرة في طفولتي؛ فهذا أيضاً يخرجنا من مجال الأدب إلى السينما؛ لذا فإن الرواية التي بين يدي هي في نظري أول عمل أدبي خالص يجعلني على تواصل مع أسلوب طه حسين الخاص دون وسيط أو دخيل، والذي يتفق مع نظريات وأطروحات ما بعد الحداثة التي ظهرت مؤخراً في الأدب العربي، وهو ما سأحاول إلقاء الضوء عليه في هذا المقال.

ملخص رواية ما وراء النهر :

   وعطفاً على ما سبق تبدو رواية ما وراء النهر إذا ما لخصنا أحداثها مجرد قصة تقليدية مكرورة عن الصراع الطبقي والسياسي والاجتماعي في المجتمعات المختلفة؛ ففئة قليلة وأسرة غنية تعيش في قصر على ربوة عالية تتحكم في مصائر أهل القرية الذين هم بالأساس من يعملون في الأرض وأصل كل الخير الذي يعيش فيه سكان الربوة، ولكنهم لا ينالون إلا الفتات، ويقع الفتى نعيم ابن القصر في حب خديجة ابنة الإسكافي من سكان القرية، ومن هذه النقطة يتخد طه حسين صراعه الأبرز في رواية ما وراء النهر .

    حيث يرفض الجميع هذا الحب؛ فيطرد رؤوف الأب صاحب القصر ابنه، الذي ينتوي الزواج من خديجة والرحيل بها إلى العاصمة، ولكن يسبقه أخيها؛ فيقتلها ثأراً لشرفه، وعلى الرغم من ارتياح الأب لنهاية قصة الحب بين ابنه وابنة الإسكافي، إلا إنه يبدأ في القلق أن تكون هذه بوادر ثورة وتمرد بين أبناء القرية، إذ اكتشفوا فجأة أن لهم شرفاً وكرامة يثوروا لأجلها، وتنتهي الرواية برؤية رؤوف لشعلة نار ملتهبة خلف حدود نهر القرية لم يكن يراها من قبل أن تلم بهم هذه الأحداث.

   ووفقاً للمقدمة التي أوردها محمد حسن الزيات عند نشر رواية ما وراء النهر في منتصف سبعينيات القرن الماضي بعد وفاة طه حسين بعامين تقريباً؛ فإن الرواية غير مكتملة، حيث بدأ نشرها كسلسلة حلقات في أربعينيات القرن الماضي وذلك على صفحات مجلة الكاتب المصري التي كان يرأس تحريرها، ثم انشغل عنها فيما يبدو ولم يتمها، وقد عرض لي على أحد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المهتمة بالأدب منشوراً يعرض أن أسرة طه حسين قد وجدت فيما بعد بين أوراقه جزءاً مكملاً لما سبق نشره من الرواية لم ينشر في المجلة؛ فأضافوه للطبعة الثانية، ولكني لم أجدها!

غلاف رواية ما وراء النهر
غلاف رواية ما وراء النهر


ما بعد الحداثة في أدب طه حسين :

    ورجوعاً إلى عنوان المقال؛ فقد يقول قائل إذا كانت أحداث رواية ما وراء النهر تقليدية إلى هذا الحد حتى إنها غير مكتملة؛ فما دخل ما بعد الحداثة التي أتى ذكرها في العنوان؟ وهنا أقول أن الأمر يكمن في أسلوب الطرح نفسه لا في أحداث أو مضمون الرواية، فكثير منا سمع مصطلح ما بعد الحداثة في الفترة الأخيرة يتردد بكثرة في أروقة الأدب والفنون بشكل عام، ورجوعاً إلى النظريات والدراسات الغربية حول مصطلح ما بعد الحداثة نجد أن أغلبها ظهر في فترة الستينيات.

   ومما يجدر ذكره أن أحد أطروحات ما بعد الحداثة في مجال الأدب كانت تقنية الميتاقص، وهي تقنية معتمدة على تفكيك النص الأدبي القصصي أو الروائي، وشرح عملية الكتابة أثناء الكتابة كنص موازي، وهذا ما قام به طه حسين في روايته ما وراء النهر ؛فهو لم يكن يكتب الرواية على اعتبار أنها واقع مسرود يصف أحداثه وكأنها تقع أمام القارئ، بل يحكيها على اعتبار كونها حكاية يشرح للقارئ كيف يحكيها؟ ولماذا أختار أماكن سرد الأحداث؟ وكيف يؤثر ذلك على الشخصيات؟ بل حتى لماذا وكيف يختار أسماء هذه الشخصيات؟

  فإذا ما نظرنا إلى زمن كتابة أحداث رواية ما وراء النهر الذي كان في أربعينيات القرن الماضي، وزمن ظهور نظريات وأطروحات ما بعد الحداثة بشكل أكاديمي ونقدي موسع والذي كان في ستينيات القرن الماضي، لا بد أن يثار تساؤل حول أسبقية طه حسين في الثورة على تقنيات الأدب التقليدية المعمول بها آنذاك، وكونه من المؤسسين لنظريات ما بعد الحداثة في مجال الأدب والرواية، وهذا أمر غير تقليدي، حيث أننا في مجال القصة والرواية بشكل خاص منذ ظهورهما في الأدب العربي ونحن نقلد تقنيات الغرب لا أكثر، حتى إنها تصلنا متأخرة كثيراً عما هو معمول به بالفعل لديهم.

 

عميد الأدب العربي طه حسين
عميد الأدب العربي طه حسين

   وفي النهاية عزيزي القارئ إذا كنت وصلت إلى نهاية المقال؛ فهذا أمر يسعدني للغاية، ويسعدني أيضاً إذا كنت قرأت رواية ما وراء النهر أو أي من أعمال طه حسين الآخرى أن تشاركني برأيك حولها، وهل تتفق مع ما ذكرته في مقالي أم لا؟ وهل ترى أن هذا العمل يتفق بالفعل مع نظريات ما بعد الحداثة في مجال الأدب أم لا؟ وذلك بترك رأيك في التعليقات أسفل المقال؛ لنستفيد جميعاً من تبادل النقاش والآراء، وإذا أعجبك المقال؛ فيسعدني مشاركتك له على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؛ ليصل إلى أكبر عدد من القراء، ويشاركوننا هم أيضاً بآرائهم، كما يسعدني متابعتك للمدونة من خلال رابط المتابعة بها ليصلك كل جديد أولاً بأول.

تعليقات