قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

الصيد في بحر الأوهام للكاتبة إقبال بركة

 

قراءة في رواية الصيد في بحر الأوهام
قراءة في رواية الصيد في بحر الأوهام

 

    الصيد في بحر الأوهام هي رواية قصيرة أو نوفيلا للكاتبة الكبيرة إقبال بركة، تتميز بسلاسة اللغة ورقيها مع واقعية التعبير وتناولها لقضايا المرأة بشكل متشابك؛ ليتضح للقارئ أن وضع المرأة في مجتمعاتنا العربية بشكل عام والمجتمع المصري بشكل خاص يكاد يكون متشابهاً، لا يفرق كونها جاهلة أو متعلمة ومثقفة، فقيرة الحال أو من الطبقة المتوسطة، متزوجة أو عازبة، فتاة ليل أو ذات وظيفة مرموقة في المجتمع، وما يميز الرواية هو صغر حجمها الذي يتيح للقارئ أن يلتهمها في جلسة قراءة واحدة لا تتجاوز ساعة أو ساعتين، ولكنها تترك أثراً طويل المدى.

ملخص رواية الصيد في بحر الأوهام:

   تبدأ الكاتبة إقبال بركة أحداث روايتها بمشهد يجمع بين امرأتين، احداهما تبدو عليها وضاعة الحال والأخرى مهندمة أنيقة المظهر، والمكان الذي يجمعهما وتصفه لنا بأنه غرفة زجاجية، يتضح لنا أنها غرفة تحقيق في أحد الأقسام، ويدور الحوار بين المرأتين؛ لنعرف أن الأنيقة هي صحفية تجري تحقيقاً حول النساء العاملات بالدعارة، والتي تنتمي لهن المرأة الأخرى رثة المظهر، وتحكي لها عن ظروف نشأتها، وما واجهته في حياتها واضطرها لسلوك هذا الطريق، بعد أن خدعها أول رجل باسم الحب.

   كما تحكي لها عن زواجها بأحد زبائنها العرب الذي تعاطف معها وأحبها، ولكنه كان بخيلاً جداً بعد أن اعتادت على بحبوحة العيش من أموال عملها؛ فحصلت على الطلاق وعادت إلى مصر تمارس عملها المعهود، حتى أودى بها إلى السجن الذي أنجبت فيه ابنتها الوحيدة، وفي النهاية وقعت في غرام قواد أحبها وأحبته، ومنعها من مزاولة هذا العمل وتزوجها، على الرغم من استمراره هو في مهنة القوادة، مما جعلها فريسة لرجال الشرطة يقبضون عليها كل فترة للضغط عليه لتسليم نفسه.

   بعد أن تدون الصحفية اعترافات هذه المرأة تفاجأ بالضابط يخبرها أنها تتستر على زوجها رغم أنه يضربها ويجبرها على الدعارة؛ فيُسقط في يدها ولا تعلم إذا كان ما يخبرها به الضابط هو الحقيقة، أم ما أخبرتها به لولا في اعترافاتها، ولكنها تقرر تسليم التحقيق لرئيسها على أية حال، وهنا تنتقل الكاتبة إقبال بركة في روايتها الصيد في بحر الأوهام من تصوير حياة المومس التي لم تتلق أي تعليماً في حياتها، إلى حياة الصحفية الحاصلة على شهادة الثانوية العامة والتحقت بكلية التجارة، ولكنها لم تحبها؛ فاتجهت للعمل بالصحافة.

الجزء الثاني من الرواية:

   يتضح في الجزء الثاني من رواية الكاتبة إقبال بركة، أن هذه الصحفية تخوض علاقة بشكل ما مع رئيسها في العمل الذي يكبرها بسنوات عديدة، فعلى الرغم من عدم احترامها له على المستوى المهني والأخلاقي إلا إنها معجبة بنجاحه، وترى أنه الشخص المناسب الذي يمكنها الاقتران به ليضمن لها النجاح في عالم الصحافة، كما ترى أنها تستطيع ترويضه وكسر غروره الذي يجعله دوماً يقلل منها ومن مجهوداتها وإنجازاتها في العمل، وهو بدوره يفعل ذلك حتى لا تتعالى عليه ولتكون دوماً تحت طوعه يستطيع تشكيلها كيفما يشاء وتجاهلها وقتما يريد.

   تنتهي أحداث رواية الصيد في بحر الأوهام بتحطيم آمال "تودد" الصحفية بعد أن وعدها رئيسها برحلة عمل إلى الإسكندرية أوحى لها أنها لن تكون رحلة عمل فقط وإنما رحلة غرامية، وظنت أن هذه هي الفرصة السانحة للاستيلاء على قلبه وجعله يتزوجها، وإن كانت وعت الدرس جيداً من لولا ولن تقع في خطيئتها وتكرر مأساتها، ولكن أحلامها تلك تصطدم بالواقع عندما تصحو في اليوم التالي؛ فتجد أن كل وعوده بالأمس قد ذهبت هباءً وعاد إلى تجاهلها مرة آخرى.

الكاتبة إقبال بركة
الكاتبة إقبال بركة


فيلم مستوحى من رواية الكاتبة إقبال بركة:

    في الثمانينات تم تحويل رواية الصيد في بحر الأوهام للكاتبة إقبال بركة إلى فيلم سينمائي من بطولة بوسي وحسين فهمي وشويكار وسوسن بدر وجميل راتب ونجاح الموجي، وحمل الفيلم عنوان بحر الأوهام، وكان هذا الفيلم هو باكورة أعمال الموسيقار الكبير عمر خيرت في الموسيقى التصويرية، ولكن ربما هي عادة فينا أن تأتي دوماً الأفلام السينمائية ضعيفة المستوى أمام العمل الأدبي الأصلي، فهذا الفيلم لا يعدو كونه مستوحى من أحداث رواية الصيد في بحر الأوهام ولكنه لا يمثل الأفكار المطروحة في الرواية.

    كان هناك الكثير من نقاط الاختلاف بين الفيلم ورواية الصيد في بحر الأوهام، والتي تصيب المضمون في مقتل، ولكن أهم نقطتين: نهاية الفيلم التي جاءت نهاية وردية كعادة كل الأفلام العربية، فبينما تركتنا رواية الصيد في بحر الأوهام حائرين حيال قصة لولا المومس عن معاملة زوجها القواد لها، وهل فعلاً حظيت بحياة زوجية محترمة معه أم أنه يرغمها على الدعارة كما يقول الضابط، حسم الفيلم هذه الحيرة بالخيار الوردي للأمر، حيث ساعد ماهر "القواد" الشرطة في القبض على عصابة مخدرات.

   وكانت مكافأته أن تم منحه رخصة بوتيك ومكافأة مالية، وأصبح صاحب دكان وتزوج لولا، وعاش معها في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات.

نهاية أحداث الرواية والفيلم:

   لم تكن الجملة السابقة مجرد جملة اعتراضية مني لإنهاء الحديث بجملة الحواديت المعتادة، بل هذا هو ما حدث تماماً في نهاية الفيلم، فآخر مشهد في الفيلم يظهر ماهر وهو جالس على باب الدكان وأمل ابنة لولا تلعب مع أخيها مرزوق "ابن ماهر"، وتظهر لولا في الكادر يسبقها بطنها المنتفخ دلالة حملها في طفلها الثالث، أما فيما يتعلق بالصحفية ورئيسها؛ فقد انتهى الفيلم بتحويله للتحقيق لفساده ومخالفته لمواثيق الشرف المهنية للصحافة ورفدها لأنها كانت تسير على خطاه.

    بينما انتهت أحداث الرواية بممارسة "مختار" السكرتير الصحفي للمجلة عمله وترقيه فيه، حيث أصبح المسئول عن كل كبيرة وصغيرة في تغطية أحداث الحرب "6 أكتوبر 1973"، ولا تزال "تودد" تدور في فلكه حائرة، أما النقطة الثانية فهي اسم "تودد" الذي تم تغييره في الفيلم؛ ليصبح "عبلة"، وعلى الرغم من أن اسم عبلة أسهل وأكثر انتشاراً، إلا أن اختيار الكاتبة إقبال بركة لاسم "تودد" لم يكن اعتباطاً، بل انها أشارت لذلك ضمن أحداث الرواية، فتودد هو اسم الجارية المثقفة في احدى قصص ألف ليلة وليلة.

   وقد أرادت أن تشير الكاتبة إقبال بركة أن في الماضي كانت الجواري تدرس وتتثقف وتتعلم مختلف الفنون؛ لتزيد أسعارهن في سوق الجواري ويشتريهن تاجر ثري أو أمير أو ملك، والآن الفتيات تدرس وتتعلم في مختلف الكليات وتخرج إلى العمل في سبيل زيادة فرصهن في الزواج والحصول على أفضل زوج يتمتع بالثروة والمركز الاجتماعي والوظيفي المرموق، وهذا ما كانت تسعى له الصحفية "تودد" طوال أحداث الرواية.

 

أفيش فيلم بحر الأوهام
أفيش فيلم بحر الأوهام

   والآن عزيزي القارئ هل قرأت رواية الصيد في بحر الأوهام للكاتبة إقبال بركة من قبل أو شاهدت فيلم بحر الأوهام؟ وما رأيك في كل منهما؟ وهل ترى أن تحويل العمل الأدبي لعمل سينمائي أو تلفزيوني يضيف له أم ينتقص منه؟ شاركوني بآرائكم وتعليقاتكم في خانة التعليقات لنثري معاً النقاش وتعم الفائدة.

تعليقات