قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

يوميات امرأة مشعة سيرة السرطان مع الكاتبة نعمات البحيري

 

يوميات امرأة مشعة
يوميات امرأة مشعة

 

    يوميات امرأة مشعة هي السيرة الذاتية للفترة الأخيرة من حياة الكاتبة نعمات البحيري، التي عانت فيها من سرطان الثدي واستئصاله، ومن ثم جلسات الكيماوي والإشعاعي، وعلى الرغم من ذلك عاد السرطان مرة أخرى يغزو خلاياها بدءاً من عظامها حتى استشرى، وأودى إلى وفاتها في عام 2008، بعد أن حاربته بشجاعة لعدة سنوات، قرأت يوميات امرأة مشعة بعد سنوات من قراءتي لأثقل من رضوى للكاتبة رضوى عاشور التي حاربت بشجاعة أيضاً السرطان اللعين، وإن كان في المخ لا في الثدي.

   ومن نافلة القول أن بين قراءتي للسيرتين أصيبت جدتي رحمها الله بالسرطان، ورأيت تلك المأساة رأي العين، وعشت بنفسي كثير من فصولها، لذا أتعاطف جداً مع كثير مما ذكرته الكاتبة نعمات البحيري، وأدرك حجم معاناتها، وربما حساسيتها الزائدة التي كانت سبب في تخبطها في الحكم على كثير من الأمور، ودفعتها إلى الازدواجية في الحكم على كثير من الوقائع التي تعرضت لها خلال تلك الفترة، كما سجلتها في يومياتها.

ملاحظات على يوميات امرأة مشعة:

   فبالإضافة إلى حجم معاناة الكاتبة نعمات البحيري من سرطان الثدي الذي سجلته بأدبية رائعة، وعبرت عن أوجاع بنات جنسها أجمعين ممن قد يتعرضون لمثل هذه المحنة، إلا إنني لاحظت بعض الازدواجية التي سجلتها في حكمها على الكثير من الأمور والمواقف التي تعرضت لها خلال الأحداث التي عرضتها في يوميات امرأة مشعة، بداية من موقف سؤالها للممرضة عن دينها لعدم ارتدائها الحجاب؛ فعلى الرغم من أنها سجلت استيائها من سؤال الجميع لها إذا ما كانت مسيحية لأنها لا ترتدي الحجاب، إلا أنها لم تتورع أن توجه نفس السؤال -الذي يسيئها- إلى الممرضة غير المحجبة.

   وفي حقيقة الأمر فالسؤال بالفعل مسيء، فإذا كانت المسئولة مسلمة؛ فالسؤال يوجه اتهاماً لها في دينها، وإن كانت مسيحية؛ فهو يحمل رائحة كريهة بالتمييز العنصري على أساس الدين، بما يعني أن طريقة المعاملة سيتم تحديدها بناءً على إجابة هذا السؤال! ومن الملاحظات الأخرى أيضاً في يوميات امرأة مشعة، هي شكواها المستمرة عن عدم تفرغ اخوتها لها ليجالسوها في مرضها وانشغال كل منهم بحياته الخاصة، وذلك على الرغم من اختيارها الحر وبإرادتها المطلقة للحياة وحيدة في منطقة سكنية معزولة، وفي الأصل كان أحد الأسباب هي هروبها منهم ومن مشاكلهم وتدخلهم في حياتها الخاصة.

الكاتبة نعمات البحيري
الكاتبة نعمات البحيري


تناقضات ربما سببها المرض:

   وعلى الرغم من ذلك فأنا لا أعيب على الكاتبة نعمات البحيري رغبتها في الحياة المستقلة، ولكنها هي من لا تعرف فيما ترغب بالتحديد، هل ترغب فعلاً أن تعيش حياة مستقلة بكل ما تحمله تبعات تلك الحياة، أم أنها ترغب فقط في أن تحوز مزايا تلك الحياة بعدم تدخل أحد في حياتها وقراراتها، ولكن عليهم أن يلتفوا جميعاً حولها عندما يداهمها شعور الوحدة، عليهم أن ينحوا حياتهم الخاصة والتزاماتهم جانباً ليملئوا حياتهم بهجة بعد أن اختارت الوحدة بمحض إرادتها!

   ومن المآخذ أيضاً التي ارتأيت أن الكاتبة وقعت فيها في يوميات امرأة مشعة، هي انتقادها اللاذع لسكنى الريفيين في مدينة الشروق بعد عودتهم بالأموال من الخليج، فطريقة حديثها عنهم كانت كمن يتحدث عن كائنات دونية جاءت تغزوا المكان بسوقيتها وهمجيتها، مما يعطي انطباع عن الكاتبة بالاستعلاء عن تلك الفئات، أو تنكرها لهم، وهي في الأساس بنت الريف والمناطق الشعبية القاهرية!

الفرق بين الكاتبة نعمات البحيري ورضوى عاشور في سيرتهم الذاتية:

   إذا ما قارننا بين الكاتبة نعمات البحيري والكاتبة رضوى عاشور في طريقة تناولهم لسيرتهم الذاتية في يوميات امرأة مشعة وأثقل من رضوى، نجد أن الكاتبة رضوى عاشور كانت أكثر رصانة وتعقلاً في حكمها على الأمور وتعاملها مع الأحداث أثناء مرضها، وكذلك في رؤيتها لأمور الماضي من حياتها، وأعتقد أن هذا الاختلاف منشأه ظروف الحياة والنشأة بين الكاتبتين، فعلى الرغم من أن الكاتبتين يعدان من الكاتبات النسوية والمناصرات لحقوق المرأة والحقوق والحريات بشكل عام، إلا أن طريقة تشكل شخصياتهم على مر حياتهم كانت مختلفة.

   فكما يتضح أن الكاتبة رضوى عاشور نشأت في أسرة مثقفة تحترم الفتاة وحريتها، وكانت هذه الأسرة دافعاً لها للإنجاز والترقي في الحياة والإبداع حتى أصبحت أستاذة جامعية في الآداب، وكانت أسرتها هي المرتكز والمثل الذي أرادت أن تراه معمماً في حياة كل بنات بلدها، بينما الكاتبة نعمات البحيري نشأت في أسرة ذكورية متسلطة، كان الأب فيها يتعمد قهر أنثاه (زوجته) ومن ثم قهر أبناءه وخاصة الإناث منهم، ولم تكن الثقافة جزءاً من مكونات الأسرة بأي شكل من الأشكال.

الحياة المستقرة سبب السعادة:

    فكما تقول الكاتبة نعمات البحيري أن والدها كان يريد تزويجها والاكتفاء بشهادة دبلوم التجارة، ولكنها أصرت على استكمال دراستها وتثقيف نفسها بنفسها، حتى أصبحت كما ترى في يوميات امرأة مشعة تعيش الثقافة في واقع متخلف، أما عن مواجهة المرض؛ فقد خاضت رضوى عاشور حربها مع السرطان وإلى جوارها زوج محب مخلص يغدق عليها من حبه ورعايته، وابن حنون يهتم بكل شاردة وواردة عنها وعن مرضها حتى لو باعدت بينهم الأسفار، أما الكاتبة نعمات البحيري فقد خاضت حربها وحيدة يهتم بها بعض الأصدقاء والأقارب كما يتيسر لهم وفقاً لجدول حياتهم المزدحم.

    وعلى الرغم من أن أمها حاولت بقدر استطاعتها مساندتها في مرضها، إلا أنها في النهاية كانت امرأة تكابد شيخوختها، وتحتاج إلى من يعتني بها لا أن تعتني هي بأحد، وبالطبع كان لهذا أثر كبير على الفارق في نفسية كل من الكاتبتين، وقدرتهما على تقبل الواقع من حولهما، وتجاوز المحنة، فمهما ادعى المرء أن الحب والزواج ليسا مهمين للحياة، ويمكن تعويضهما بأشياء أخرى، إلا أن الحقيقة أن بهما وحدهما تستقيم الحياة، ولكن المشكلة تكمن في أن يجد كل شخص الشريك المناسب الذي يعبر معه صعاب الحياة ويتخطاها بنجاح، أو حتى يواجه الموت بسعادة وكفه تحتضنها كف شاركته الرحلة بحلوها ومرها دون كلل أو ملل.

 

غلاف كتاب يوميات امرأة مشعة
غلاف كتاب يوميات امرأة مشعة

   وفي النهاية عزيزي القارئ أرجو أن أكون قدمت لك مراجعة وافية شاملة عن كتاب السيرة الذاتية يوميات امرأة مشعة، وأنتظر أن أتلقى منك التعليق والمناقشة سواء كنت تتفق معي أو تختلف، وذلك لإثراء الحوار ولتعم الفائدة.

تعليقات

  1. تحليل منطقي جدا ... بجد بهرني. لأن بالفعل قرائتك للكابتن وتحليلك لأنعكاس
    شخصية كل كاتبه على اسلوبها في الكتابة عكست ليه عمق توغلك في شخصية الكاتبة برافو سارة

    ردحذف
    الردود
    1. العفو، ربنا يقدرني أن أكون دوماً عند حسن ظنكم ^_^

      حذف

إرسال تعليق

تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟