قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

البحيرة وسنينها للكاتبة هيام عبد الهادي صالح

 

البحيرة وسنينها للكاتبة هيام عبد الهادي صالح
البحيرة وسنينها للكاتبة هيام عبد الهادي صالح

 

    كان بإمكان الكاتبة هيام عبد الهادي صالح أن تجعل من روايتها "البحيرة وسنينها" تحفة أدبية رائعة لو أن الكاتبة أجادت الإمساك بتلابيب السرد ورسم الخط الدرامي للرواية جيداً، ولكن للأسف فعلى الرغم من أصالة الفكرة وجودتها كونها ترتبط ببيئة محلية قلما تناولتها الأعمال الأدبية وهي بيئة الصيادين في بحيرة ناصر بمحافظة أسوان، وهذه البيئة حتماً ولابد ثرية بشخوصها وأحداثها، وخصوصيتها تجعلها مثيرة للغموض بالنسبة للقارئ العادي تدفعه لقراءة العمل بشغف، كل هذه العوامل كانت تضمن النجاح لرواية البحيرة وسنينها.

   ولكن للأسف فإن الكاتبة هيام عبد الهادي صالح اعتمدت على هذه العوامل فقط ولم تبذل جهدها في تأطير الرواية كعمل أدبي متميز، كونها مليئة بالأخطاء السردية التي تفصل القارئ عن التركيز مع سير الأحداث، ففي الصفحات الأولى من الرواية يظهر الراوي الأساسي يوسف فاقداً للوعي على ضفاف بحيرة ناصر، ويبدأ في استرداد وعيه ليجد من حوله صيادين هم من أنقذوه وصديقه سامح بين الحياة والموت، ويسأله الصيادون عن حكايتهما وما أودى بهما لهذا المصير؛ فيبدأ يوسف في قص أحداث رواية البحيرة وسنينها على هيئة فلاش باك حتى نعود في أخر صفحات الرواية لنفس اللحظة التي بدأت منها.

    إذاً فالأحداث الرئيسية لرواية البحيرة وسينينها التي تمتد على مدى مائتين سبعة وعشرين صفحة من مجمل الرواية التي تصل عدد صفحاتها إلى مائتين ست وخمسين صفحة من المفترض أنها تُروى على لسان يوسف، ولكننا نفاجئ في بعض الفصول أن هناك شخصيات أخرى تروي الأحداث على لسانها مثل سامح ومصطفى الخواف، أحدهما لا تسمح حالته في وقت سرد الأحداث أن يرويها والثاني مختفي ولا يُعلم له مكان مما يعني استحالة روايته للأحداث، مما يربك القارئ أثناء متابعته للسرد.

    هذا بالإضافة إلى تعمد الكاتبة -وهي طبيبة بيطرية- إلى استعراض معلوماتها الطبية فيما يخص عالم الحيوان على لسان شخوصها الذين هم وإن كان منهم من درس بالجامعة إلا أن هذا لا يعني توسع معرفتهم إلى هذه الدرجة، والقدرة على صياغة المعلومات بهذه الطريقة الفصيحة الدقيقة، فالكاتبة هيام عبد الهادي صالح كانت تقتبس فقرات كاملة من كتاب الحيوان للجاحظ، كما أوضحت في الهوامش، وتضعها على ألسنة شخوصها وهم يتحدثون عن الحيوانات التي تشاركهم حياتهم على ضفاف بحيرة ناصر والأسماك التي يصطادونها منها.

   وبطبيعة الحال لا يمكن لصياد أن يتحدث بهذه اللغة عن الحيوانات حتى وإن كان يعرف بعض صفاتها ومميزاتها ومخاطرها من باب التجربة وانتقال الخبرات الشعبية ممن سبقوه؛ فكان الأولى بها أن تصيغ ذلك بلغة عادية تتناسب مع البيئة والشخوص، وليس شرطاً أن تذكر كل المعلومات المتعلقة بهذه الحيوانات وكأننا بصدد قراءة بحث علمي لا رواية أدبية، وتكرر هذا الأمر أيضاً فيما يخص تفسير الأحلام الذي كان يقوم به يوسف؛ فكانت الكاتبة تقتبس أيضاً فقرات كاملة من ابن سيرين لتضعها على لسان يوسف.

    فحتى وإن كان يوسف بارعاً فعلاً في تفسير الأحلام، فهذا لا يستدعي أن يسرد مقالاً كاملاً في رمزية كل علامة في أي حلم يسأله رفاقه عنه، أليس من الممكن أن يكتفي بتأويل الحلم وينتهي الأمر دون الدخول في تفاصيل أن لو الرمز كان في مكان أخر أو حلم به شخص له ظروف أخرى لكان له تفسير أخر وهو كذا وكذا، لا أنكر أن هذه المعلومات كانت جديدة علي واستفدت منها ولكن لم أرى لها أي أهمية في السرد.

    كان بالإمكان حذف الكثير من هذا السرد المعلوماتي دون أن تتأثر أحداث رواية البحيرة وسنينها أو يشعر القارئ بأي خلل، بل على العكس كان سيُكسِب ذلك الرواية تماسكاً وترابطاً في السرد ويجعلها أكثر إمتاعاً، ولكن يُحمد للكاتبة هيام عبد الهادي صالح إلقاء الضوء على مجتمع محلي ومكان مميز منسي في الأعمال الأدبية والفنية عادة وهو مجتمع الصيادين وحياتهم على ضفاف بحيرة ناصر، وربما يكون ذلك فاتحة خير لبدء الاهتمام الإبداعي بهذه الفئات، والبعد عن مركزية القاهرة التي تدور حولها كافة الأعمال الإبداعية سواء أدبية أو فنية.

   وذلك كما تمنت الكاتبة هيام عبد الهادي صالح في الإهداء الأخير لروايتها البحيرة وسنينها أن لعل بعملها هذا تلقي حجراً في المياه الراكدة.

تعليقات