عمليات الإتصال الإنساني في الدراسات الإعلامية

 

عمليات الإتصال الإنساني في الدراسات الإعلامية
عمليات الإتصال الإنساني في الدراسات الإعلامية

 

   في هذا المقال نحاول تقديم أساسيات مبادئ علم الاتصال وتوضيحها، وكيف أن علم الاتصال البشري يحتل مكاناً هاماً في مختلف الدراسات الأكاديمية، وكيف يمكن استخدامه كأساس تنظيري للعديد من الدراسات.

الإتصال كأسلوب بشري:

   يمكن تعريف الإتصال بأنه الوسيلة التي يمكن من خلالها نقل الأخبار والمعارف أو تغيير الأفكار والآراء والمعلومات عن طريق الكلام أو الكتابة أو الإشارات، والاتصال هو شكل من النشاط البشري الذي يتكرر كثيراً في فترات قصيرة ويقترن بالكثير من الأنشطة الأخرى التي قد تبدو شائعة جداً وتستحق انتباه ودراسة منفصلة، ووفقاً لويلبر شرام فإن جوهر الإتصال البشري هو مشاركة المعلومات والأفكار والآراء والمعتقدات والمشاعر أو رسائل أخرى يرغبون في تبادلها، وعلى الأقل فإن هناك ثلاث عناصر يكونون عملية الإتصال: عنصرين بشريين هما المرسل والمستقبل، والرسالة التي يتبادلونها.

   نستطيع القول أن الطرفين يتصلان مع بعضهما البعض عندما يبدو أن كلاً منهما يفهم الرسالة المرسلة من الطرف الآخر، والمحادثة من الممكن أن تدور حول موضوعات متعددة أو مشاكل أو أحوال، ويستمر الطرفان في تبادل الرسائل حتى ينتهيا من ارسال كل الرسائل التي يرغبون في إرسالها أو يفقد أحدهما القدرة على الإتصال، وهذه الحلقة من المحادثة تسمى عملية الإتصال، وأيضاً الحيوانات والأشكال الأخرى من الحياة يتصلون ببعضهم البعض بنفس جوهر عملية الاتصال السالفة الذكر، ويكشف البحث في عملية الإتصال إلى أي مدى هي معقدة ومتنوعة.

   وبالتالي لا يمكن محاولة دمج مجال الاتصال البشري الخاص مع الحيوانات الأخرى.

الفعل الاتصالي:

    على الرغم من أن المحادثة البسيطة تصبح بسرعة معقدة جداً عند دراستها علمياً إلا انها يمكن أن تندرج تحت ما يسمى الفعل الإتصالي، والفعل الاتصالي هو إشارة يرسلها شخص واحد مباشرة للآخرين،  فلو أن شخصاً ما تحدث بجملة أو عدة جمل لشخص آخر، فإن ذلك يعد إشارة تمثل عملية الاتصال، وفي هذه العملية أخذ الشخص الأول دور المرسل بينما كان الشخص الثاني هو المستقبل.

عملية الإتصال:

   يمكن نقد الفعل الاتصالي سالف الذكر كونه يمثل جزءاً واحداً من عملية الاتصال، بينما في عملية الاتصال الكاملة يكون كل طرف فيها مرسل ثم مستقبل، فكل منهما يرسل ويستقبل رسائل من الآخر، فالفهم بين المتصلين لا يكتمل حتى يجيب مستقبل الرسالة برسالة أخرى توضح ما فهمه، وإذا لم يفهم المستقبل بعد استلام الرسالة الأولى فيمكنه ارسال رسالة استفسارية ليستمر الاتصال المتبادل حتى يكتمل الفهم. وعملية الاتصال تتكون من أفعال اتصالية متسلسلة مترابطة، كل فعل اتصالي هو نتيجة للفعل الإتصالي السابق له.

       وإذا أردنا أن نستخدم القياس فيمكننا تشبيه فعل الاتصال بطيران كرة التنس عبر الشبكة خلال المباراة.

قنوات الإتصال:

   يميل علماء الإتصال إلى تصنيف نماذج الاتصال إلى نوعين: الاتصال الشخصي والاتصال الجمعي.

-        الاتصال الشخصي يشمل:

1-  المحادثات غير الرسمية.

2-  مناقشات المجموعات الصغيرة بشكل غير رسمي.

3-  تقديم النصح والمشورة.

4-  مناقشات المجموعات الصغيرة الرسمية.

5-  المحاضرات.

6-  المناقشات والموائد المستديرة.

7-  المناقشات العامة كاجتماعات مجلس المدينة مثلاً.

8-  المظاهرات والتجمهرات والحشود.

الاتصال الجمعي يشمل:

1- الطباعة.

2- الراديو.

3- التلفزيون.

4- الأفلام.

5- المجلات.

6- الكتب.

7- الملصقات واللوحات الإرشادية والمعارض.

   الإتصال الشخصي عادة ما يتضمن مجموعات صغيرة من البشر يتميزون بالقرب والجوار فيما بينهم، وهناك فرص عديدة لتبادل الرسائل الإتصالية بين المرسل والمستقبل وبين المستقبلين وبعضهم البعض، أما الإتصال الجمعي فهو يتضمن عادة مجموعات كبيرة من البشر مبعثرة بشكل واسع في فضاء العالم والذين عادة ما يكونون غرباء بالنسبة لبعضهم البعض، ومستقبلي الاتصال الجمعي يلقبون بجمهور الإعلام، ومهام الإعلام من الوظائف التكنولوجية المعقدة كـ: الطباعة والصحافة والبودكاست واستديوهات التسجيل.... إلخ، يتم إدارتها بواسطة شركات أو حكومات أو أقسام متخصصة أو منظمات أخرى.

   ولذلك فإن المصدر في الاتصال الجمعي ليس شخصاً وإنما هيئة، والإتصال الجمعي في الغالب هو اتصال أحادي الإتجاه، فالجمهور لا يستطيع تحويل استجابته للمصدر بطريقة سهلة وسريعة مثلما يحدث في الإتصال الشخصي.

بناء الاتصال:

   في أغلب أنظمة الإتصال سواء الاتصال الشخصي أو الجمعي فإن عملية الاتصال غالباً ما تكون معقدة وصعبة التحويل إلى خط بياني، فمن الممكن أن يكون هناك العديد من المرسلين وعدد لا يحصى من المستقبلين، وهؤلاء المستقبلين من الممكن أن يتصلوا مع بعضهم البعض قبل أن يستجيبوا لرسالة المرسلين، وهكذا.

تأثيرات الفعل الإتصالي:

   الاتصال بين البشر يتضمن فعل من انسان لآخر وهذا يجعل من المتوقع أن يكون للرسالة الإتصالية تأثير على المستقبل، بمعنى آخر فإننا نتوقع رد فعل على الرسالة من الشخص المستقبل، فعندما يتلقى المستقبل الرسالة ربما يستجيب بالابتسام أو تغيير سلوكه أو تغيير آراءه أو أي تغييرات عقلية أو فكرية أخرى أو ربما بإرسال رسالة أخرى رداً عليها، ويمكن وصف حقل بحوث الإتصال بأنها مشابهة للتجارب المعملية حيث يتم التحكم في الرسائل الإتصالية بواسطة المصدر وتطبق على البشر.

  وقياس وتحليل تأثير هذه العمليات الإتصالية يعد مرحلة متطورة من مهام الدراسات الإتصالية، فبعض الأفعال الإتصالية لا يكون لها تأثيرات فورية بينما البعض الآخر قد يكون لها تأثيرات درامية عالية وفورية، كأن يمدح شخصاً ما شخص آخر أو يهينه، وبعض الأفعال الإتصالية الأخرى لا يكون لها تأثير ظاهري على السلوك، ولكن قد تترك تأثيراً عميقاً في السلوك، كما إن قياس تأثير العمليات الإتصالية يعد أمراً صعباً فيما عدا أن يكون متحكماً فيها في ظروف معملية أو اختبارية محكمة.

   غالباً ما تركزالبحوث الإتصالية على قياس تأثير العمليات الإتصالية الكاملة أو المستمرة مثل الحملات السياسية وإعلانات وسائل الإعلام والفصول الدراسية والبرامج الصحية ورعاية الأطفال أو تنمية المجتمعات.

تعريف لاسويل للاتصال:

   أعطى هارولد لاسويل تعريف كلاسيكي للاتصال عام 1948م، حيث قال فيه: "الأسلوب الملائم لوصف فعل الاتصال هو عن طريق إجابة الأسئلة التالية: من؟ ماذا يقول؟ في أي قناة؟ إلى من؟ وبأي تأثير؟"، وهذا التوصيف لفعل الإتصال قد يكون هو أكثر التعريفات المتفق عليها في الدراسات الإتصالية. فهو يوفر منظور ملائم للانطلاق إلى مزيد من القضايا المعقدة والمثيرة للجدل. ومن المهم أن نعرف أن كلاً من لاسويل وشيرمان اهتموا في تعريفاتهم أن تصف كيفية حدوث عملية الاتصال لا وصف أو وضع نظرية للاتصال ذاته.

نموذج جاربنير:

    فصل جاربنر نموذج لاسويل وقدم نموذج لفظي عرض عشر مناطق أساسية لأبحاث الإتصال، وفيما يلي المكونات الأساسية للنموذج والاستمارات المحتملة لأبحاث الإتصال:

1- عن الشخص: أبحاث القائم بالإتصال والجمهور.

2- إدراك الأحداث: أبحاث الملاحظة والنظرية.

3- ردود الأفعال: قياس التأثير.

4- في الموقف: دراسة الأحوال الفيزيائية والإجتماعية.

5- من خلال بعض المعاني: فحص القنوات والتحكم في الإعلام.

6- صنع أدوات متاحة: الإدارة والتسويق وإتاحة الوصول للمعلومات والأدوات.

7- الدراسات الشكلية: البناء والتنظيم والشكل والنمط.

8- سياق الكلام: دراسة الأوضاع الإتصالية وتتابعها.

9- المحتوى المنقول: تحليلات المحتوى ودراسة المعنى.

10-                 التتابع: دراسة كافة التغيرات.

اللغة والإشارات والرموز:

   أغلب الاتصال الإنساني يتم من خلال الكلمات سواء المنطوقة أو المكتوبة، وبدون اللغة سيكون من المستحيل إيصال المقصود من المعاني والفروق الدقيقة بين المشاعر للمتلقي ليستطيع فهمها، وأيضاً فإن الروابط الموجودة بين الكلمات والمواضيع والأفكار أو المواقف وإلى ماذا ترمي بالطبع ستصبح اعتباطية بكل بساطة، ومن الممكن التعبير عن نفس الرسالة بطريقة واحدة سواء بالعربية أو الفرنسية أو الإسبانية أو الروسية أو السواحلية أو الهندية أو الأردية أو الصينية أو أي من مئات اللغات واللهجات.

   فكل الموضوعات الحسية والأفكار والمشاعر الإنسانية أو الخبرات وكل حالة اجتماعية وظرف أو مشكلة يتم التعبير عنها بالكلمة أو مجموعة كلمات والتي تتضمنها اللغة بشكل أساسي، والكلمات والجمل يكون لها معنى فقط لأنها تشير إلى أشياء في البيئة المحيطة أو مرتبطة بالخبرة البشرية ومعارفها، ويعمل نظام اللغة فقط في حالة أن المرسل والمتلقي يستخدمان نفس اللغة ويفهمان نفس الكلمات وإلا فشل الإتصال، والكلمات المكتوبة أو المنطوقة ليست هي الوسيلة الوحيدة المستخدمة في الاتصال البشري فهناك أيضاً الاتصال غير اللفظي كالإيمائات وتعبيرات الوجه وتغيرات الصوت وتعبيرات الجسد أو الأنشطة الأخرى التي تنقل المعنى.

   ومثل اللغة فإن الإشارات غير اللفظية أيضاً لا يمكنها التأثير إلا إذا كان الطرفان يفهمانها، وفي هذا الصدد أشار إدوارد سابير (أحد الآباء المؤسسين لنظام دراسات الإتصال) أن الرسائل المنقولة بالإتصال غير اللفظي أحياناً وبدون وعي تكون متناقضة مع الرسائل اللفظية، وربما يتم الاتصال الرسمي في البداية بشكل واع ولكن قد يتحول بعد ذلك لغير واع. وكل فرد في المجموعة اللغوية يدرس اللغة عادة كجزء من تواصله الاجتماعي ليعزز من قدرته على نقل أفكاره وفهم الآخرين.

   ومع ذلك فاللغة ليست فقط تجعل الاتصال ممكناً، ولكن اللغة نفسها تنمو وتتغير وتتحول مع الظروف والأحوال خلال ملايين الملايين من عمليات الإتصال التي تتم كل عام، والعلاقة بين اللغة والثقافة والشخصية والنظام الإجتماعي تعد فرعاً من الدراسات الإتصالية.

التشفير: تكوين الرسائل:

    في سبيل نقل الرسائل لا بد أن تتحول من كونها أفكار إلى لغة، وعادة ما يحدث ذلك بطريقة عفوية خاصة في المحادثات غير الرسمية التي تتم بدون جهد، وليمكن فهم الرسائل عليها أن تستحث العقل لاستقبالها وتحويل الأفكار والتصورات التي يمكن لعقل الفرد تشفيرها، والعملية التي تحول المعاني سواء المنطوقة أو المكتوبة أو الرسائل غير اللفظية تسمى بفك التشفير.

رجع الصدى:

   في الاتصال الشخصي يوجه كل شخص رسائله للآخر ويتلقى الرد عليها في نفس الوقت، ويعود رجع الصدى إلى رضا المتلقي عن الرسالة أو عدم إعجابه بها كما يعتمد أيضاً على قدرة المرسل في توصيل رسالته، ويكون رجع الصدى زاخر وفوري حين يكون وجهاً لوجه في العمليات الإتصالية التي تضم شخصين أو مجموعة قليلة من الأفراد، ولكنه يصبح أقل فائدة وغير ذي جدوى في المجموعات الكبيرة، وتعد تلك أهم مشاكل عمليات الإتصال الجماهيرية حيث يصعب على الأشخاص المسئولين عن معرفة رجع الصدى على رسائل وسائل الإعلام جمع المعلومات اللازمة لذلك.

السياق الإجتماعي الذي يحدث فيه الإتصال:

    الأفعال الإتصالية لا تحدث من فراغ في النظام الإجتماعي وإنما كل واحدة منها تحدث في موقف اجتماعي معين، ويجب وضع المرسل والمستقبل والبيئة الإجتماعية في الإعتبار، وأيضاً المستوى الإقتصادي والقضايا اليومية واهتمامات الناس والقضايا الحزبية السياسية في مركز القوة والمنظمات التي تتعاون أو تتضاد مع بعضها البعض والدرجة التي يثيرها العامة والأحداث الأخرى التي وقعت في الماضي القريب، والرأي العام السائد هو أحد عناصر السياق الإجتماعي الذي يمكنه التأثير على عملية الإتصال، وأيضاً ثقافة الشعب وديانتهم وما يعتقدونه وبنية الحياة العائلية وطريقة تواصلهم وتنظيمهم وترابطهم.

    وكذلك المواقف الأخرى التي عادة ما تعتبر جزءاً من العلوم الإنسانية والسيكولوجية لديها تأثير عميق على الإتصال سواء على ما تم منه أو لم يتم.

تعليقات