جدار (قصة قصيرة)

جدار (قصة قصيرة) صورة أرشيفية
جدار (قصة قصيرة) صورة أرشيفية




سارة الليثي

     أرسم صوراً لابني على الجدار، هنا يلهو بالكرة مع رفاقه، وهناك يستذكر دروسه بين أحضاني، وهذا يوم تسلمه شهادة تفوقه... أسمعهم يتهامسون خلفي، تنتابني لوثة هياج حادة إثر سماعي لما يهذون به.
   أرى مراراً وتكراراً ومضات لما حدث، ابني يأتيني بشهادة رسوبه، ليست المرة الأولى ولكن صبري قد نفد، أتذكر رسوبي المتكرر حتى اضطررت أن أترك مقاعد الدراسة نهائياً تجنباً لمزيد من الفشل، أتذكر كيف استمرت سلسلة فشلي المتلاحقة، فشلت في الحصول على فرصة عمل وتركني زوجي لاهثاً خلف الأجمل والأصغر؛ فأثبت للجميع أنني أكثر امرأة فاشلة على سطح الأرض، الآن هو أملي الوحيد لأثبت العكس، لأثبت أنني على الأقل بمقدوري أن أكون أماً ناجحة يحصد أولادها المراتب العالية بين أقرانهم.
    ليس من حقه أن يسرق مني ذلك الأمل الأخير، أنهال عليه ضرباً ممسكة بخناقه ومع كل صرخة تزداد قبضتي قوة، تحاول أختي الصغرى تخليصه من يدي، راجية إياي أنها ستساعده لينجح في المرة القادمة. تهدأ نوبة غضبي، تتراخى يداي عن رقبته، أخبره أن ينهض ليستذكر دروسه مع خالته، لا ينهض، أهزه بيدي، لا يستجيب، اهدده بحرمانه من اللعب والمصروف، ولكنه لا يبدي أي حراك، تنظر لي اختي نظرات لا أدرك مغزاها،...
     ظلام، شرطة، قضبان، محاكمة، مستشفى، تتوقف الكهرباء عن رأسي، يسحبني مرتديا الأبيض إلى غرفتي، يغلقان الباب، أمسك بالطبشور، أرسم صوراً لابني على الجدار.


ما وراء الكتابة:

    في عام 2015 نُشر خبراً في صفحة الحوادث في أحد الجرائد القومية ينص على القبض على أحد الأمهات بتهمة قتل ابنها بعد أن علقته من رقبته في مروحة السقف عقاباً له على فشله الدراسي، كان هذا الخبر هو نقطة الإلهام التي أوحت لي بهذه القصة "قصة جدار" وإن لم تكن هذه الحادثة فريدة من نوعها، فتذخر صفحات الحوادث كل يوم بحادثات مشابهات، وإن لم تصل كلها لدرجة القتل فإنها تتخطى الضرب المبرح والتعذيب الذي يودي بالأطفال إلى أسرة المستشفيات.
    يترك هذا التعذيب عليهم علامات قد لا يمحيها الزمن بالإضافة إلى ما تتركه من علامات في نفوسهم وأرواحهم البريئة، وحتى من لا يصل معهم الأمر إلى هذه الدرجة ويكون نصيبهم من الضرب التعليمي هو الصفع أو الضرب بالخف أو الحذاء فإنهم لن ينجون أبداً مما يتركه هذا الضرب من تأثير نفسي عليهم مدى الحياة يؤثر على علاقتهم بأبويهم وعلاقتهم بالآخرين ويفقدهم الثقة في أنفسهم قد يجعل منهم عدوانيين أشد العداء يتبعون سبيل العنف الدائم مع كل من حولهم أو يجعلهم خانعين أشد الخنوع يخافون من الجميع ويلبون رغبات الكل خوفاً من العقاب.
   السؤال ها هنا: هل يستحق الأمر ذلك؟ هل يستحق الأمر أن نقتل براءة أطفالنا ونمحي هوياتهم وندمر تفردهم الشخصي لأجل درجة إضافية في شهادة تقويم دراسي؟!

تعليقات

إرسال تعليق

تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟