قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

زينب وأحمد حسن والطفولة المهدرة

 

زينب وأحمد حسن
زينب وأحمد حسن



 

    أثار الفيديو الأخير لليوتيوبر أحمد حسن وزوجته زينب الذي قاما فيه بإفزاع ابنتهما الصغيرة عندما صبغت أمها وجهها بالأسود ولم تتعرف عليها، موجة عالية من الإنتقادات بين متابعيهم على قنوات السوشيال ميديا ومن سمعوا بالواقعة بشكل عام، والتي لم تكن الأولى من نوعها بالنسبة لهما فمنذ عام تقريباً حدثت نفس الضجة لفيديو آخر كانا يقومان فيه بقرصها كي تبكي، وفي الواقعتين تقدم المجلس القومي للأمومة والطفولة ببلاغات ضدهما والتي انتهت كل مرة بدفعهما غرامة مالية وتعهدهما بعدم تكرار الفعل مرة أخرى!

   على الرغم من فظاظة المواقف التي يقومان بها "زينب وأحمد حسن" باستغلال ابنتهما لجذب المزيد من المشاهدات والأرباح على فيديوهاتهما ومحتواهما على السوشيال ميديا بشكل عام، ولكن بعيداً عن تخصيص الموقف حول زينب وأحمد حسن بشكل خاص وتوسيع الرؤية بشكل عام، فزينب وأحمد حسن هما نتاج مجتمع يرى في الأطفال ملكاً خاصاً لآبائهم وأمهاتهم من حقهم أن يعاملوهم كيفما شاءوا بالطريقة التي يرغبون فيها دون حق التدخل لأي أحد حتى وإن كان الجد والجدة وأقرب الأقرباء!

   أذكر مديرة احدى المدارس الخاصة رفضت قبول منحة مقدمة للفتيات من إحدى المنظمات النسوية عبارة عن فوط صحية وكتيبات؛ لأن الكتيبات تم تصديرها بعبارة أن الأطفال ليسوا ملكاً لأحد ولا حتى لآبائهم، إذ كيف يجرؤ أحد على اخبارهم أنهم ليسوا أملاكاً يتم التصرف فيها كيفما شاء مالكوها "ما أنتم إلا عبيد إحساننا"، كيف يخبر أحد الأطفال أنهم كائنات حرة من حقها أن تناقش وتختلف وأن يكون لها رأي مسموع وأن ترفض أنواع معينة من المعاملة ترتئيها مهينة لها بشكل ما؟!

   على الأطفال في مجتمعاتنا أن يتوارثوا أن ملكيتهم تعود لآبائهم وأمهاتهم، ما داموا قد أنجبوهم وأنفقوا عليهم فيحق لهم بناءً على ذلك التصرف فيهم وفي حياتهم كيفما شاءوا، ويضرب المثل بقصة ذبح إسماعيل مع التغاضي تماماً عن حقيقة أن إبراهيم وإسماعيل أنبياء يوحى إليهم وليسوا بشراً يتصرفوا وفقاً لهواهم؛ فإبراهيم لم يعزم ذبح إسماعيل لأنه أراد ذلك لنفسه وإنما لأن الله هو من طلب منه ذلك وهو يعلم أن الله لن يقدر إلا الخير، ولكن آباء العصر الحالي هم بشر خطاءين قد يخطئوا التقدير كما قد يصيبوا.

   وإذا عدنا إلى نقطة التأثيرات النفسية والأفعال الضارة للأطفال في السن المبكر بالتحديد، فكم من آباء وأمهات اعتدوا على أطفالهم جسدياً بالضرب بدعوى تقويمهم لأنهم خالفوا أوامرهم بشكل ما، مع تفاهة أي خطأ قد يقع في هذا العمر من الأساس، وما يتركه هذا الإعتداء في أنفسهم من إحساس بالذل والمهانة بالإضافة إلى فقدان الشعور بالأمان، إذ في جوار من سيشعر بالأمان إذا كان من هم مصدر الأمان المفترض هم أول من يهددون أمانه؟! كم من طفل قيل له من قبل أبويه أو إخوته الكبار أنه تم إيجاده على باب جامع أو كنيسة أو أنه "ابن الخدامة"؟

   وقد يقوم الأهل بإلقاء مثل هذه الكلمات سواء على سبيل المزاح أو كسبة للطفل نتيجة لقيامه بتصرف خاطئ، ويرون في ذلك والمحيطين بهم أنه تصرف عادي جداً ومقبول ولا يمثل أي مشكلة على الرغم مما يتركه من آثار نفسية مميتة في نفوس الأطفال الغضة، أما ما قد يحدث مع الأطفال الرضع؛ فيمكن على سبيل المثال ذكر أحد المواقف الشهيرة حين يقوم الأب أو أحد أصدقاءه برفع الطفل عالياً وتركه في الهواء، وعلى الرغم من أن الطفل قد يستجيب لهذه المداعبة عادة بالضحك إلا أن الأمر ينطوي على العديد من الأضرار الصحية الجسدية التي قد تحيق بالطفل بالإضافة إلى إحتمالية أن لا يتمكن الأب في لحظة ما من الإمساك به من الأساس؛ فيقع الطفل ليتهشم على الأرض!

   ولكن من يعبأ؟! أليس الأطفال والأبناء بشكل عام ملكاً مستباحاً لوالديهم؛ فليفعلوا بهم ما يشائون، إن كان ضربهم أو إفزاعهم أو إهانتهم، وعندما يخرج علينا من هم أمثال زينب وأحمد حسن تذكروا فقط أنهم كبروا في هذا المجتمع ونشأوا على قيمه الفاسدة وهم لا يقومون إلا بأقل القليل في تطبيقها فهناك الآلاف من أمثال زينب وأحمد حسن يذيقون أطفالهم صنوف العذاب بمباركة المجتمع ورضاه، ولا تثار الضجة حولهم فقط لأنهم لا يمسكون بالكاميرا ليظهر علينا وجههم القبيح.

   من آفات مجتمعنا أن طالما الفعل يتم في السر ودون أن يراه الآخرون رأي العين فلا حرج من القيام به، والويل كل الويل لمن يقوم بنفس الفعل في العلن، فنحن لا نرفض الفعل السيء لذاته ولكن نرغب في إدانته فقط إذا ظهر للعلن حتى نثبت أننا أفضل من أولئك الذين قاموا به.

تعليقات

  1. أصبتي القول في (والويل كل الويل لمن يقوم بنفس الفعل في العلن) 👍 تدوينة رائعة، برغم سوء الموضوع الرئيسي.

    ردحذف
    الردود
    1. أسعدني مرورك، وإن كنت أود أن اعرف نقطة الخلاف التي دعتك للقول بسوء الموضوع الرئيسي

      حذف

إرسال تعليق

تعليقاتكم تثري موضوعاتنا وتساعدنا على الاستمرار فنحن نهدف إلى اثارة النقاش الجاد المفيد لكافة الأطراف حول الموضوعات المطروحة، ويسرنا أن نعلم ما إذا كانت المقالات تنال استحسانكم أم لا وما جوانب النفع أو القصور فيها، وماذا تأملون في المقالات القادمة؟