قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

قراءة في رواية عرين الجسد للكاتب الفلسطيني رجب عطا الطيب

 

غلاف رواية عرين الجسد للكاتب رجب عطا الطيب


     كان من الممكن لرواية عرين الجسد أن تكون عمل أدبي رائع لولا أن كاتبها رجب عطا الطيب استسهل طريق الوصف الحسي من الأدب الأيروتيكي القائم على تصوير اللذات والشهوات وانخرط فيه دون هدف أو إطار يحكم هذا التصوير، فالموضوع الرئيسي لرواية عرين الجسد الذي اختاره الكاتب رجب عطا الطيب هو الرغبة والإحتياج الجنسي عند المرأة، وهو يعتبر أحد التابوهات في مجتمعنا الشرقي إذ تُمنع المرأة منعاً باتاً من التصريح عن رغبتها الجنسية أو احتياجها الجنسي وإن كانت في إطار الزواج.

    وتوصف من تقدم على التصريح بهذا الأمر أو حتى التلميح بأبشع الصفات رغم ما يكفله لها الدين والقانون من إرضاء وإشباع رغبتها بما أحل الله وتعارف عليه المجتمع، وإذا كان تصريح المرأة برغبتها أمراً محرماً من المجتمع؛ فإن الكتابة عنه أيضاً تعد أمراً فاحشاً وإن أتت من رجل بينما لو أتت من امرأة فربما تنصب لها المحاكم العرفية في كل مكان تحل عليه، سواء كانت تلك الكتابة تنتمي لنوعية الأدب الأيروتيكي أو غيره، على أية حال يحسب للكاتب رجب عطا الطيب كسره لهذا التابوه في روايته عرين الجسد.

   ولكن للأسف فإن الكاتب رجب عطا الطيب لم يستغل الأمر جيداً ولم يحسن تصويره في روايته عرين الجسد؛ فجل ما فعله هو تأكيد نظرة المجتمع للمرأة التي ترغب في الحصول على متعتها الجنسية على أنها امرأة فاحشة من خلال استغراقه في استغلال الأدب الأيروتيكي في روايته عرين الجسد.

ملخص رواية عرين الجسد للكاتب رجب عطا الطيب:

   نشوى بطلة رواية عرين الجسد للكاتب رجب عطا الطيب هي فتاة فلسطينية مراهقة جميلة من أسرة فقيرة، يهواها كل شباب منطقتها وتجمعها علاقة عاطفية بابن الجيران تشوبها بعض الممارسات الحسية، يتقدم لها رجل أعمال فلسطيني غني مغترب في كندا ويحمل جنسيتها يرغب في الزواج بفتاة شرقية من بلده لا تعرف شيئاً عن الحياة لتكون طوع يده، توافق نشوى على الفور على هذا الزواج الذي سينتشلها من الفقر ويذهب بها لأقصى الدنيا ويشبع حاجاتها الجنسية، ولكنها تصدم في ليلة زفافها بعدم وصولها إلى هذا الإشباع!

    تستمر حياة نشوى بطلة رواية عرين الجسد للكاتب رجا عطا الطيب على هذا المنوال عشر سنوات تعلل نفسها بالصبر لأجل الرفاهية المادية التي تحصل عليها من زوجها وتقرر أن تكون سيدة جسدها بأن تحصر علاقتهم الجسدية في يوم واحد في الإسبوع، وبعد عشر سنوات من الزواج وبعد إنجاب طفلتين تقرر الطلاق لإحساسها بأنها عاهرة تسلم زوجها جسدها في سبيل المال وهي غير راغبة فيه ولا تشعر معه بأي اكتفاء، وتحصل على الطلاق في مقابل التنازل عن حضانة ابنتيها والحصول على مبلغ كبير كتسوية.

    إلى هذا الحد والأمر يبدو في مساره الصحيح؛ فإصرارها على الطلاق بعد عشر سنوات من الزواج لعدم سعادتها في هذا الزواج بالتأكيد أفضل من استمرارها في حياة تعيسة، ولكن الحياة التي اختارتها بعد الطلاق لم تكن سوى تصويراً لحياة ماجنة، فقد رفضت الإرتباط بأي علاقة رسمية بعد طلاقها ولكنها تنقلت من رجل لرجل مع رفضها للزواج منهم، وعلى الرغم من أن إصرارها على عدم الخيانة أثناء العلاقة، فهي لا تجمع بين علاقتين أبداً، إلا أن هذا لا يبرر أفعالها.

   إن كانت تريد أن تظل سيدة نفسها فكان بإمكانها الزواج في العلن ممن تريد والإحتفاظ بحقها في تطليق نفسها وقتما تريد، ولكنها سلكت مسلك الحرب ضد الزواج، حتى أنها ترى المهر الذي يدفعه الرجل للمرأة عند الزواج هو بمثابة ثمن يدفعه في شرائها، ولا تتحرج من التصريح بهذا الرأي وهي تحيا حياتها الماجنة من أموال طليقها وترفض تماماً أن تقوم بأي عمل تستثمر به هذه النقود وتقبل فقط أن تعيش من فوائدها البنكية، حتى عندما عادت إلى فلسطين فقد صور لنا الكاتب رجب عطا الطيب كل جاراتها يحيون مثل حياتها، فهم إما يعيشون في علاقات جنسية ما قبل الزواج لعدم تمكنهم من الزواج أو يخونون أزواجهن لعدم تواجد الأزواج في المنزل لفترات طويلة!

   وتستمر حياة نشوى بطلة رواية عرين الجسد للكاتب رجب عطا الطيب على هذا المنوال، تتنقل من بلد لبلد ومن عشيق لآخر، مع الوصف الحسي الدقيق لما يدور بينهم في الفراش على غرار ما هو شائع في أعمال الأدب الأيروتيكي، حتى تحمل في بطنها جنين آخر عشيق، وأيضاً ترفض الزواج منه وتقرر العودة لكندا لتضع حملها هناك حيث لن يسألها أحد عن والده وتربيه وتكمل حياتها هناك في كندا، وتنتهي الرواية هكذا دون الوصول إلى أي معنى يذكر!

نقد رواية عرين الجسد للكاتب رجب عطا الطيب:

    بعض من انتقدوا رواية عرين الجسد للكاتب رجب عطا الطيب أشاروا إلى أنها تسيء للمجتمع الفلسطيني والنساء الفلسطينيات اللواتي نعرف عنهن مقاومتهن للمحتل وصمودهن وما إلى ذلك، ولكن حقيقة الأمر أنه لا بد وحتماً أن هناك من أمثال هذه النماذج في المجتمع الفلسطيني مثله مثل أي مجتمع آخر، بل وحتى بين المقاومين والثوار فالكثير منهم لا يقاومون في سبيل الدين، فهناك أيضاً من يقاوم لأجل الحرية والوطنية والحق المسلوب بغض النظر عن الدين، وهؤلاء الكثير منهم يحيون حياة منفتحة ومتحررة كالحياة الغربية ولا يرون في ذلك أي غضاضة.

    لذا أنا لا أرى فيما جاء في رواية عرين الجسد للكاتب رجب عطا الطيب إساءة للمجتمع الفلسطيني والنساء الفلسطينيات ككل، لأنني أؤمن بوجود مثل هذه النماذج بالتأكيد كما إنها لا تعبر عن المجتمع وإنما تعبر عن ذاتها، ولم يكن لدي ثمة اعتراض لو أن شخصية كنشوى هي مجرد نموذج في العمل الأدبي، ولكن كونها هي محور العمل الأدبي يجعلني أتسائل ثم ماذا؟ لا أرى فيها إساءة لفلسطين ولكن أراها إساءة لقضية المرأة بوجه عام أن يتم تصوير المرأة البطلة الباحثة عن حقها الطبيعي في الحياة من شعورها بالمتعة مع الرجل الذي يشاركها فراشها لا بد وأن تتحول لامرأة فاحشة في النهاية.

    وكأن الهدف المقصود من رواية عرين الجسد أمر من اثنين: إما المناداة بأن على المرأة الرضا بما تحصل عليه من زوجها جنسياً حتى لو كان لا يشبعها وعدم محاولة الحصول على حقها في هذا الشأن وإلا تحولت إلى امرأة فاحشة مثل نشوى، أو أن من حق المرأة أن تتنقل كيفما شاءت من رجل لرجل دون رابط أو وازع فقط في سبيل الحصول على متعتها الجنسية دون النظر إلى أي أمر آخر، وكلا الهدفين مشوه.

    كان بإمكان الكاتب رجب عطا الطيب التطرق إلى قضية الرغبة والإحتياج الجنسي للمرأة بشكل أرقى من ذلك يلفت النظر للقضية ويكسبها تعاطفاً ويثير النقاش المجتمعي بشأنها حتى وإن أراد تقديم عمله في إطار الأدب الأيروتيكي أيضاً، بدلاً من أن ينفر القارئ من الأمر برمته ويصوره بتلك الطريقة المنحرفة مما يؤكد لديه الاعتقاد الراسخ أن السبيل الوحيد للحفاظ على الشرف هو تكبيل النساء وربما تشويه أعضائهن الجنسية -كما كان يفعل في الماضي ولا زال في بعض الأعراف والمجتمعات- حتى لا يبحثن عن إشباع رغباتهن بطرق غير مشروعة!

تعليقات