قراءة لقصتي دموع الأمل في نادي أدب أسيوط

قراءة في قصة عقبة بن نافع المقررة دراسياً على الصف الأول الإعدادي في مصر

قراءة في قصة عقبة بن نافع المقررة دراسياً على الصف الأول الإعدادي في مصر
قراءة في قصة عقبة بن نافع المقررة دراسياً على الصف الأول الإعدادي في مصر


      هذا الكتاب للسيرة الذاتية الذي يحمل قصة عقبة بن نافع كان مقرراً دراسياً في الصف الأول الإعدادي، وجدته على حين غرة بين الكتب على رفوف مكتبتي وأنا أبحث عن كتاب أقرأه، لا أعلم كيف مكث طوال هذه السنوات في مكانه ذاك، فأن يظل كتاب دراسي معي منذ كنت طالبة في الصف الأول الإعدادي فهذا يعني أنه رافقني في رحلة العودة من اليابان حيث كنت برفقة والدي وكنت أخوض الإمتحانات المصرية في السفارة، ليس ذاك فحسب بل إنه يعني أيضاً أنه قد تم إنقاذه من التخزين في بدروم منزلنا عندما قمنا بتجديد البيت.
    أغلب كتبي التي اقتنيتها في مرحلتي الطفولة والمراهقة لازالت تقبع بين الفئران والسحالي في البدروم حتى يومنا هذا ولا أدري بأي حالة قد أراها لو بحثت عنها يوماً؛ فأن يتم إنقاذ أحد الكتب من هذا المصير فذاك يعد معجزة بحد ذاتها، عندما وجدته افرجت شفتاي عن ابتسامة تحمل الحنين لذكريات الماضي وأيام الطفولة، رغبت في إعادة قراءته على الفور لأمتع ناظري بالهوامش التي كتبتها على جانبي أوراقه تحمل آمال المستقبل وتلخيصاتي لمحتوى الفصول المختلفة وإجاباتي على أسئلة المناقشات بعد كل فصل مع خط أمي وهي تصحح لي تلك الإجابة أو تفسر لي كلمة قد يستغلق علي فهمها.
    بعد أن استرجعت ذكرياتي السعيدة مع الكتاب بدأت الإنتباه لمحتواه، كنت سعيدة بما يتضمنه من معان فقصة عقبة بن نافع بدت مثال حسن وقدوة رائعة من الجيد أن يتضمنها دفتي كتاب دراسي خاصة وأنه لا زال مقرراً على نفس الفرقة الدراسية حتى يومنا هذا برغم تغير العديد من المناهج الدراسية والقصص المقررة في مواد اللغات والدين، كان "عقبة بن نافع" من جنود جيش "عمرو بن العاص" الذي فتح مصر وخلص أقباطها من اضطهاد الروم بعد أن لجأوا للتخفي في الجبال من شدة التعذيب الذي كانوا يتعرضون له للتخلي عن مذهبهم الديني واعتناق المذهب البيزنطي.
    بعد فتح مصر أرسل "عمرو بن العاص" سرية بقيادة "عقبة بن نافع" لاستطلاع أحوال برقة -في ليبيا الحالية- فشكا له أهلها من نفس الظلم والاضطهاد وطلبوا معاونة المسلمين في التخلص من طغيان الحكم البيزنطي وقد كان، إلى هنا والأمور تسير على ما يرام فدعوة الإسلام جاءت لنشر العدل والرحمة بين البشر وإذا ما استنجد مظلوم أياً كان دينه بمسلم لنجدته فعليه أن يلبي، ولكن ما حدث بعد ذلك هو ما أثار استغرابي! فكل الغزوات التالية كانت لبلاد آمنة لم يشتك أهلها ظلم حاكميها ولم يتعرضوا للإسلام أو المسلمين بأي أذى مسبق –إلا إذا كان الكتاب لم يوضح ذلك-.
   وعلى الرغم من ذلك كان "عقبة بن نافع" يقوم بمحاربتهم فقط لأنهم لا يريدون اعتناق الإسلام بالجملة أو دفع الجزية، وهذا ما لم ينص عليه الإسلام على الإطلاق، فدفع الجزية يكون من أمة محاربة بدأت بالعدوان وتم الإنتصار عليها فتدفع الجزية عقاباً لها، والدعوة للإسلام لا تكون بالإكراه والأمر المباشر وإنما بإرسال الدعاة يدعون الناس بالحسنى، أما إذا رفض حكام تلك الأمة وجود مسلمين على أرضهم وتم التعرض لهم بأي سوء فوقتها تقوم الحرب، وهذا ما لم يحدث في أي موقعة من تلك المواقع بحسب سرد الكتاب لقصة عقبة بن نافع.
    لا أعرف الكثير عن قصة عقبة بن نافع التاريخية خارج إطار ما درسناه في المناهج التعليمية ولا أعرف أيضاً الكثير عن وقائع تلك الغزوات غير ما هو موجود بالكتاب، ولكن إذا كانت تلك هي الحقيقة الكاملة فإن ذلك لم يكن من الإسلام في شيء، أتفهم طبيعة العصر التي كانت تحتم على كل الدول والإمبراطوريات التوسع فيما حولها ما دام لديها القدرات الحربية التي تكفل ذلك وأن الدول كانت تقوم بمبدأ الطبيعة الحيوانية حيث القوي يأكل الضعيف، ولكن من المفترض أن الإسلام أتى لينقض تلك المبادئ العدوانية لا ليقوم على أساسها.
     من المفترض أن أحد أهداف تدريس قصة عقبة بن نافع أو فاتح إفريقية هو التأكيد على "أن انتشار الإسلام لم يكن بحد السيف، وإنما كان بالمساواة والعدل وسماحة المسلمين، ودفع الظلم عن المظلومين، والحيلولة دون اعتداء المعتدين" كما ورد في مقدمة النسخة المدرسية من قصة عقبة بن نافع أو فاتح إفريقية، ولكن ما أكده الكتاب بحق أن نشر الإسلام في تلك البقاع كان بالإكراه وخوفاً من حد السيف، وهذا يؤكده ذكر أن العديد من القبائل البربرية كانت ترتد عن الإسلام فور رحيل الجيوش الإسلامية عن أراضيها –وقد لا تكون تلك الحقيقة التاريخية الفعلية-.
    ما يجعلني أتساءل هنا ما جدوى تدريس مثل ذلك الكتاب للأطفال؟ وليس فقط أطفال المسلمين حيث إن هذا الكتاب مقرر دراسي في اللغة العربية مما يجعله مقرراً دراسياً على أطفال الوطن جميعاً مسلمين ومسيحيين، وفي النهاية لن يستفيد من دراسته أحد، قد لا يعي الأطفال ملاحظاتي تلك في هذه السن مثلما لم أفكر فيها أنا وقتها ولكن بالتأكيد أهلهم سيلاحظونها!

تعليقات